مسعود علال
أضحى اللاعب العربي يملك مكانة خاصة ضمن أندية أكبر الدوريات الأوروبية، وذلك منذ عقود من الزمن شهدت تألق عدد من النجوم في سماء الكرة الأوروبية؛ أبرزهم اللاعبون مزدوجو الجنسية المولودون في أوروبا، وبعض اللاعبين الذين ظفروا بعقود احترافية انطلاقاً من بلد مولدهم، لكن ثمة تساؤلات كثيرة تُطرح حول "شحّ" احتراف اللاعبين المنحدرين من دوريات عرب آسيا، أو فشل انتقالهم إلى أوروبا في كثير من الأحيان، فضلاً عن سيطرة لاعبي عرب أفريقيا على قائمة الانتقالات على حساب نظرائهم من آسيا وبلدان الخليج العربي تحديداً.
وقد شهدت العقود الماضية بروز عدد كبير من اللاعبين العرب، الذين تحدوا منطق "التاريخ والجغرافيا"، وشقوا طريقهم نحو النجومية بعدد من الدوريات الأوروبية، انطلاقاً من دوريات عربية، ويبقى أبرزهم على الإطلاق الجزائري رابح ماجر أسطورة بورتو البرتغالي، الذي يعد أول من فتح باب الاحتراف أمام اللاعبين العرب، واحتكر لقب اللاعب العربي الوحيد الذي تُوِّج بلقب كأس أوروبا لأندية الأبطال (دوري أبطال أوروبا حالياً) لسنوات طويلة، قبل أن يلتحق به كل من المغربي أشرف حكيمي مع ريال مدريد والنجم المصري محمد صلاح مهاجم ليفربول.
ويبرز في القائمة أيضاً النجم المصري السابق أحمد حسام "ميدو" الذي يعد أحد أكثر اللاعبين العرب تنقلاً بين الأندية الأوروبية على مدار 12 سنة، بعد أن غادر الزمالك المصري، واحترف في دوريات أوروبية عدة؛ أبرزها: الإيطالي والإنجليزي والفرنسي والهولندي، وبرز التونسي حاتم الطرابلسي منذ خروجه من الصفاقسي التونسي في الملاعب الأوروبية خاصة مع أياكس أمستردام الهولندي في مطلع الألفية.
وبزغ أيضاً في السنوات الماضية نجم حارس المرمى العماني علي الحبسي الذي تألق في أندية إنجليزية عدة؛ كان أبرزها ويغان وبولتون وريدينغ، وفي تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية تألق المغربي نور الدين النيبت مع نوادي توتنهام الإنجليزي وسبورتينغ لشبونة البرتغالي ونانت الفرنسي وديبورتيفو لا كورونا الإسباني، وفي خمسينيات القرن الماضي سطع النجم المغربي العربي بن مبارك في نادي أتلتيكو مدريد الإسباني، وكان أول لاعب عربي يفوز بلقب "الليغا" في موسمي 1949/1950 و1950/1951.وفي الفترة الحالية سطع نجم أكثر من لاعب عربي في مختلف الدوريات الأوروبية؛ وأبرزهم على الإطلاق المصري محمد صلاح مع ليفربول، والجزائري إسلام سليماني المعار من ليستر سيتي الإنجليزي إلى موناكو الفرنسي.
أسباب صادمة لفشل عرب آسيا في الاحتراف الأوروبي
يبدو تفوق عرب أفريقيا وبصفة خاصة الجزائر وتونس والمغرب ومصر على نظرائهم من آسيا ودول الخليج في الانتقالات من الدوريات المحلية إلى الدوريات الأوروبية واضحاً جداً، ما يطرح تساؤلات عدة عن فشل تجارب انتقال عرب آسيا إلى أوروبا أو حتى إحجامهم عن ذلك، والأسباب كثيرة ومتعددة ومتشعّبة، وتمتد غالباً لعوامل لا تتعلق إطلاقاً بالجانب الرياضي.
ولم يتمكن عرب آسيا وبشكل خاص السعودية والإمارات وقطر والبحرين وسورية ولبنان والعراق، من إثبات أنفسهم والوصول إلى القمة وتدوين أسمائهم في الدوريات الأوروبية؛ إذ اقتصر تمثيلهم في أوروبا على أسماء لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ويعود ذلك لأسباب عدة يمكن حصرها وفقاً للتعليقات والآراء التي تم استطلاعها بين النقّاد والمدربين والفنّيين فيما يلي:
صعوبة التأقلم مع المحيط الأوروبي الذي يعد غريباً عنهم وعن ثقافتهم وتقاليدهم، وعوامل اللغة والحنين إلى الوطن والأهل والنظام الغذائي والمعيشي والانضباط الشديد، وهي أمور تعيقهم كثيراً في التواصل وتقديم ما هو مطلوب منهم والاندماج في محيطهم الجديد، بخلاف عرب أفريقيا القريبين جداً من أوروبا جغرافياً وثقافياً، كما يعاني أكثر اللاعبين من "الخوف من الاحتراف" لعدم وجود تجارب سابقة تشجعهم على اللعب في بيئة مختلفة، واعتماد الأندية الخليجية على وجه الخصوص على "استيراد" مواهب ونجوم من خارج دورياتها ما يؤثر في مستوى اللاعب المحلي، بسبب عدم وجود احتراف حقيقي بعكس بلدان أخرى؛ مثل: اليابان وكوريا الجنوبية.
وأمام قلة العروض التي يتلقاها عرب آسيا للاحتراف في أوروبا؛ إذ يأتي أغلبها من أندية صغيرة لا تضمن لهم تحقيق الشهرة والنجومية التي يتمتعون بها في نواديهم، فإن إدارات الأندية العربية تتنافس فيما بينها لمنح أضخم الرواتب، بل تبالغ في ذلك وفي تقدير القيمة السوقية الحقيقية للاعبين، الذين وبالرغم من تلقي بعضهم عروضاً خارجية، إلا أنها تُقابل بالرفض سواء من إدارة النادي وحتى من اللاعبين أنفسهم بسبب المال، على غرار ما حدث للسعودي صالح الشهري الذي ضيّع فرصة للاحترافي أتلتيكو مدريد الإسباني؛ لأن "قيمة الصفقة لم تكن مناسبة مالياً".
هؤلاء صنعوا الاستثناء
وعلى مدار عشرين أو ثلاثين سنة الماضية تألق العديد من لاعبي عرب آسيا، إلا أنهم لم يبلغوا مرحلة الاحتراف في أوروبا، بينما كانت أغلب التجارب فاشلة أو توقفت في بدايتها، باستثناء بعض الحالات على غرار: الحارس العماني علي الحبسي الذي تألق في إنجلترا، والسعودي حسين عبد الغني الذي احترف في نيوشاتل السويسري، وسامي الجابر الذي لعب في لولفرهامبتون الإنجليزي، بالإضافة إلى زميليه أسامة هوساوي (أندرلخت البلجيكي)، وفهد الغشيان (ألكمار الهولندي 1998).
يوجد كذلك السوري سنحاريب ملكي الذي احترف في دوريات بلجيكا واليونان وهولندا وتركيا، والقطري أكرم عفيف، الذي احترف ما بين نوادي أوبين البلجيكي وفياريال وخيخون الإسبانيين قبل أن يعود إلى ناديه السد، ويقود برفقة زملائه منتخب قطر للقب الآسيوي مطلع العام الماضي، وكذلك ابن بلده حسين ياسر الذي احترف في دورييّ قبرص والبرتغال، والعراقي نشأت أكرم الذي لعب في هولندا، والعراقيان هوار ملا محمد ومهدي كريم اللذان احترفا في قبرص، وكذلك تألق البحريني عبدالله يوسف اللاعب السابق لسلافيا براغ التشيكي الذي شارك في دوري أبطال أوروبا العام الماضي قبل أن ينتقل إلى نادي بوهيمانس التشيكي.
وفي الوقت الحالي يبرز العراقي علي عدنان الذي احترف مع فريقي أودينيزي وأتلانتا الإيطاليين قبل أن ينتقل إلى فانكوفر الكندي، أما بقية اللاعبين فمنهم من فضل البقاء في دوري بلده أو الانتقال للعب في دوريات خليجية على غرار قطر والإمارات والسعودية والكويت، بينما احترف السوري فراس الخطيب مثلاً في الدوري الصيني قبل أن ينتقل إلى الدوري الكويتي.
وبالمقابل يشكّل عدم احتراف الكثير من اللاعبين الخليجيين بشكل خاص في أوروبا، مفاجأة قوية؛ إذ كان أغلبهم وما يزال من بين الأفضل في القارة الآسيوية على غرار القطريين إبراهيم خلفان وأكرم عفيف والمعز علي، والسعودي ناصر الشمراني، والإماراتيين عمّوري وأحمد خليل، والسوري عمر السومة، والعراقي مهند علي، الذي تلقى العديد من العروض الأوروبية إلا أنه فضل الاستمرار في صفوف الدحيل القطري قبل أن يتنقل معاراً في الشتاء الماضي إلى نادي بورتيمونينسي البرتغالي، وقبله يونس محمود ونشأت أكرم. بينما قامت السعودية بتجربة "فاشلة" قبل مونديال 2018 في روسيا؛ إذ أرسلت تسعة لاعبين للاحتراف في إسبانيا لكنهم لم يُوفَّقوا في مساعيهم.
وما يزيد الموقف غرابة هو العدد الهائل من الأندية المنتشرة في الخليج والتي تتجاوز 500 فريقاً من مختلف الفئات العمرية، وتضم قرابة 70 ألف لاعب، لكن تجربة الاحتراف الخارجي كانت سلبية، بالرغم من أن العديد من الدراسات أكدت أن الاحتراف الخارجي هو أحد السبل المهمة لرفع مستوى المنتخبات العربية خاصة الخليجية منها خلال المشاركة في المسابقات القارية والعالمية.
غزو عرب أفريقيا للدوريات الأوروبيات.. الجزائر نموذجاً
وعلى عكس ذلك لا يأبه لاعبو عرب أفريقيا بالعوامل المذكورة، بل يسارعون للانضمام إلى أي فريق أوروبي وجعله بوابة اللعب لأكبر الأندية وأقواها، بسبب تواضع مستوى الدوري المحلي الذي نشؤوا فيه وعدم حصولهم على رواتب كبيرة، على غرار ما حصل مع المصريين محمد النني ومحمد صلاح اللذين انطلقا من الدوري السويسري "الصغير" قبل أن يشقّا طريقهما نحو النجومية وبالأخص مع فريقي أرسنال وليفربول الإنجليزيين، على التوالي.
برز كذلك الجزائري إسلام سليماني الذي احترف في سبورتينغ لشبونة البرتغالي مقابل مبلغ زهيد، قبل أن يتحول إلى هدّافه وينتقل إلى ليستر سيتي الإنجليزي صيف 2016 مقابل 30 مليون جنيه أسترليني بوصفها أغلى صفقة انتقال في تاريخ النادي وقتها، كما صنع الجزائري يوسف عطال أيضاً الحدث في الدوري الفرنسي مع نادي نيس، الذي التحق به عبر بوابة نادي كورتراي البلجيكي المتواضع.
وبالرغم من أن الدوريات العربية والخليجية على وجه الخصوص أضحت قبلة للاعبي عرب أفريقيا، إلا أن بعض الدوريات ما فتئت تصدّر بعض المواهب إلى أوروبا في السنوات الأخيرة على غرار الدوري المصري، ومن أبرز لاعبيه: رمضان صبحي الذي لعب لفريقي ستوك سيتي وهودرسفيلد الإنجليزيين قبل أن يعود إلى مصر، وأحمد حجازي الذي يلعب لنادي ويست بروميتش الإنجليزي بعد أن احترف في إيطاليا، إضافة إلى علي جبر الذي لعب 6 أشهر لنادي ويست بروميتش قبل أن يعود للدوري المصري، ومحمود حسن "تريزيغيه" الذي احترف ببلجيكا وتركيا قبل أن يحط الرحال في "البريميرليغ"، ومحمود عبد الرزاق "شيكابالا" الذي احترف سابقاً في الدوريين اليوناني والبرتغالي.
وصدّر الدوري المغربي بعض اللاعبين إلى أوروبا في آخر 3 مواسم؛ أبرزهم: جواد الياميق الذي انضم إلى نادي جنوى الإيطالي خلال "الميركاتو" الشتوي 2018، ثم انتقل إلى بيروزي الإيطالي ليسير على خطا مواطنه محمد أبرهون الذي غادر فريقه السابق المغرب التطواني في صيف 2017 إلى نادي موريرينسي البرتغالي، قبل أن ينتقل إلى نادي ريزا سبور التركي، وباستثناء بعض اللاعبين المولودين خارج ليبيا الذين احترفوا ما بين أميركا وأوروبا، يفضل لاعبو الدوري الليبي في السنوات الأخيرة الانتقال إلى الدوريات العربية على غرار علاء الدين يونس ومحمد الغنودي و مؤيد اللافي.
وتحوّل الدوري التونسي في الفترة الحالية إلى قبلة للاعبي الدوري الجزائري؛ إذ يضم الترجي الرياضي مثلاً 8 لاعبين، مقابل احتراف بعض اللاعبين في أوروبا، ولكن تجاربهم لم ترقَ إلى المستوى المطلوب على غرار بسام الصرارفي الذي انتقل قبل 3 سنوات إلى نيس الفرنسي قبل أن يوقّع في الشتاء الماضي في نادي زولت واريغم البلجيكي، وأيمن بن محمد الذي غادر الترجي نحو لوهافر الفرنسي، ومحمد علي اليعقوبي الذي لم يُوفَّق في تجربتيه بالدوريين التركي والفرنسي، فيما نجح آخرون سبقوهم للاحتراف؛ منهم: أيمن عبد النور وياسين الشيخاوي، وكذلك أمين الشرميطي الذي يلعب حالياً في الدوري الهندي.
وكان الدوري الجزائري في الفترة الأخيرة أكثر الدوريات نجاحاً في الوطن العربي من حيث انتقالات اللاعبين إلى أوروبا والتي بلغت 6، وتصدّر نادي بارادو المشهد كالعادة بعد أن قام بتسويق هداف الموسم الكروي الماضي زكريا نعيجي إلى الدوري البرتغالي، ولاعب الوسط هشام بوداوي الذي انضم إلى زميله السابق في الأكاديمية يوسف عطال في نادي نيس الفرنسي، وزميلهما السابق هيثم لوصيف الذي انتقل إلى أونجيه الفرنسي، بينما تمكّن لاعب وسط فريق اتحاد العاصمة السابق محمد بن خماسة من الاحتراف في نادي مالاغا الإسباني، وانتقل لاعب وفاق سطيف عيسى بودشيشة إلى نادي بوردو الفرنسي، ولاعب مولودية وهران السابق محمد رضا حلايمية إلى نادي بيرشوت البلجيكي، وقبلهم جميعاً إسلام سليماني الذي لعب في دوريات البرتغال؛ إنجلترا وتركيا وفرنسا، ورامي بن سبعيني الذي احترف في بلجيكا وفرنسا وأخيراً ألمانيا.
ويُرتَقب أن يقوم الدوري الجزائري بتصدير الكثير من المواهب مستقبلاً إلى أوروبا، وأبرزهم لاعبا وفاق سطيف عبد الرحيم دغموم وإسحاق بوصوف وآدم زرقان لاعب بارادو المطلوبين في النوادي الأوروبية.