الكاتب: محمد خيري الجامعي
يتخذ اللاجئون من كرة القدم سبيلاً لتحقيق انتصاراتهم في بلدان احتضنتهم لعلهم يزيلون لوعة اليأس الجاثم على صدورهم من جراء الحروب المستعرة في المنطقة وهروباً من أزيز الرصاص، وزمجرة الدبابات وسرادق العزاء وطوابير الموت. وتبدو الرحلة شاقة من ساحات الوغى إلى ملاعب كرة القدم، لكن الشغف بتحقيق أحلامهم جعلهم يكسرون قيود اليأس، فحولوا الحزن إلى فرح واليأس إلى أمل رافعين يافطة التحدي، هكذا فرض العديد من اللاجئين أنفسهم بقوة في رياضة كرة القدم بألمانيا، عبر تكوين فرق خاصة باللاجئين من العديد من الدول لممارسة الرياضة التي تستهويهم وتمكنهم من تفجير طاقاتهم الكروية والإبداعية في أوروبا، ما جعل الأنظار تشرئب نحوهم، باعتبار أن كرة القدم هي موطنهم الأصلي في خضم مشقة اللجوء.
قام نادي بابلسبيرغ 03 الذي يلعب بدوري الدرجة الثالثة الألمانية في سنة 2014 بالإعلان عن فريق جديد خاص بمقدمي اللجوء، باسم وليكوم يونايتد 03 أو "مرحبا" يونايتد 03 من أجل اللعب في الدرجة الأخيرة، وذلك في ظل الشغف الكبير للاجئين بممارسة كرة القدم. ويضم نادي ولكوم يونايتد العديد من اللاجئين من دول مختلفة؛ مثل: سوريا والعراق وليبيا والصومال ونيجيريا، وهم يتقاسمون نفس الشعور والطموح بنسيان المآسي السابقة من جراء التهجير والحروب، وجعل كرة القدم متنفساً لحياتهم الصعبة وسط ألغام الترحيل المترامية في ألمانيا.
مواهب على الجمر
عبر اللاجئون المنتمون إلى فريق ويلكوم يونايتد عن امتعاضهم من عدم منحهم بطاقة الإذن بممارسة كرة القدم، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام مواصلة طموحهم واللعب في أندية محترفة، مع أن ممارسة كرة القدم لا تقيهم من خطر الترحيل من البلاد. ولا يسمح الاتحاد الألماني لكرة القدم للاجئين بممارسة كرة القدم حتى في الدرجة الأخيرة، من دون الحصول على إذن من بلده الأصلي بأنه مسجل في لوائح اتحادات الكرة وأنه غير مرتبط بفريق في بلده، وهي مهمة صعبة نظراً لهروب العديد من اللاجئين لأسباب سياسية بحسب ما نقلت شبكة "دوتشي فيلا" الألمانية.
يتمسك اللاجئون أمام هذه البيروقراطية ومعوقات الوثائق والقوانين الألمانية الصارمة، بحلمهم بممارسة كرة القدم يومياً لساعات وهي التي ترسم على وجوههم البهجة والفرح، والخروج من بوتقة الحزن والألم والشوق للأوطان المتهالكة تحت وقع الصراعات المستنزفة. ويسعى اللاجئون إلى التـأثير في الاتحاد الألماني لكرة القدم والضغط عليه من أجل توفير بطاقات الإذن بممارسة كرة القدم، وعدم قتل المواهب الموجودة على الأراضي الألمانية.
انتقائية ألمانية
برز فريق آخر في برلين إلى جانب فريق "ولكوم يونايند" تحت مسمى الفريق السوري الحر في برلين، ويتكون من لاجئين سوريين من مختلف الطوائف والمدن السورية، ويجمع العديد من المواهب الشابة التي برزت في الفريق. وسطع بقوة في هذا الفريق اسم اللاعب السوري زاهر الحزواني الذي لفت الأنظار بشكل كبير، وهو ما جعل نادي شبارتا ليشتنبيرغ الألماني ينتدبه للعب في صفوفه والاستفادة من إمكاناته الكروية العريضة في الملعب.
تكمن الانتقائية الألمانية في استقطاب اللاجئين أصحاب المواهب الكبيرة وتمكنيهم من فرصة اللعب في الفرق المنخرطة تحت لواء الاتحاد الألماني، على عكس بقية اللاجئين المحرومين من ذلك. وتحاول ألمانيا في هذا الصدد الاستفادة بقدر المستطاع من إمكانات اللاجئين الكروية، ما جعل كشافي الأندية يلاحقون الأسماء البارزة بهدف استقطابهم وإدماجهم مع الفرق، كما تعطي هذه الميزة للاجئين أهمية كبرى نظراً لدور الرياضة في توسيع آفاق الاندماج المجتمعي.