يتواصل التصعيد بين رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز ورئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس، في صراع بات يتجاوز حدود الرياضة ليصل إلى معركة نفوذ حقيقية داخل أروقة كرة القدم الإسبانية.
آخر فصول هذا الصراع كان قرار رابطة "الليغا" برفض طلب ريال مدريد تأجيل مباراته الافتتاحية في موسم 2025-2026، رغم مشاركة الفريق في كأس العالم للأندية وخروجه من نصف النهائي على يد باريس سان جيرمان (4-0).
وفجر هذا القرار موجة جديدة من التوتر، واعتبر رسالة واضحة من رئيس رابطة الدوري إلى بيريز مفادها: "لن تكون لك الكلمة العليا"، ما ينذر بموسم جديد أكثر اشتعالًا في صراع الرجلين على مر الأعوام الأخيرة.
خافيير تيباس، الذي تمتد ولايته الحالية حتى عام 2027، صرح في أكثر من مناسبة بأن فلورنتينو يسعى لإزاحته من رئاسة رابطة "الليغا"، في ظل العلاقة المتوترة بين الطرفين.
من جهته، لا يخفي رجل الأعمال المعروف بنفوذه القوي وقوته الاقتصادية في إسبانيا، استياءه من أسلوب إدارة الرابطة، معتبرًا أن وجود خافيير يشكل عائقًا أمام إصلاحات جذرية يراها ضرورية لمستقبل كرة القدم الإسبانية.
6 ملفات تشعل الصراع بين بيريز وتيباس
العلاقة بين بيريز وتيباس لم تكن يومًا هادئة، بل تعرف بكونها واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا في كرة القدم الإسبانية. وتتوزع محاور الصراع في 6 ملفات رئيسية، كل منها يعبر عن صدام رؤيتين مختلفتين كليًّا لمستقبل اللعبة في البلاد.
دوري السوبر الأوروبي
يعد رئيس ريال مدريد هو المهندس الأكبر لمشروع "دوري السوبر الأوروبي"، الذي يطمح لتأسيس دوري نخبوي مغلق يلغي فكرة التأهل التقليدي ويمنح الأفضلية الدائمة للأندية الكبرى.
الرجل الأول في النادي الملكي يعتبر أن المشروع هو مستقبل كرة القدم الأوروبية ماليًّا وتنافسيًّا، مؤكدًا في أكثر من مناسبة أن النظام الحالي "أصبح غير عادل وغير مستدام".
في المقابل، خافيير تيباس من أشد المعارضين للمشروع، معتبرًا إياه "تهديدًا مباشرًا للبطولات المحلية وأداة لتحطيم التوازن التنافسي". وصرّح في مقابلة مع شبكة COPE الإسبانية: "إنه لا يسعى لإصلاح كرة القدم بل للسيطرة عليها، مشروع السوبر ليغ ليس إلا محاولة للاستحواذ على السلطة".
حقوق البث واتهامات بالتحايل
صراع السيطرة على السوق الإعلامي هو ساحة معركة مفتوحة بين الطرفين. بيريز يرفض نموذج توزيع حقوق البث الذي تعتمده "الليغا"، ويرى أنه يظلم الأندية الكبرى التي تجلب القاعدة الجماهيرية والعائدات الأكبر. كما يطالب بهيكلة جديدة تتيح للنادي إدارة حقوقه بشكل مستقل.
أما تيباس، فيرى أن ريال مدريد يسعى لتقويض مبدأ التضامن المالي بين الأندية، متهمًا الرئيس فلورنتينو بـ"التحايل والادعاء بالشفافية فقط لخدمة مصالحه".
وفي تصريح لافت لموقع El Confidencial، قال: "ريال مدريد يتظاهر بالشفافية، لكنه في الواقع يحاول كسب النفوذ على حساب باقي الأندية، وهذا تهديد للدوري كله".
نفوذ بيريز ومحاولاته للهيمنة
يتهم تيباس بيريز بمحاولة فرض رؤيته على كافة مفاصل كرة القدم الإسبانية، من خلال النفوذ السياسي، والإعلامي، والتجاري. ويصفه بأنه "رجل لا يتقبل المعارضة ويسعى لإدارة الليغا بنفس طريقة إدارته لريال مدريد".
وقال في إحدى مؤتمراته الصحفية: "إنه لا يتحدث معك، بل يصدر الأوامر فقط. ومن لا يطيع، يستهدف. هذه ليست رياضة، بل سياسة تحكم".
من جهته، انتقد بيريز طريقة تسيير تيباس، معتبرًا أن "وجوده في منصبه يعرقل تطور كرة القدم الإسبانية على كافة المستويات". وفي الجمعية العمومية لريال مدريد، قال صراحة: "لا يمكن لكرة القدم الإسبانية أن تتقدم طالما تدار بعقلية قديمة".
حرب إعلامية مفتوحة
تحولت الخلافات بين الطرفين إلى مواجهات علنية عبر الإعلام، حيث لا يتردد كل طرف في مهاجمة الآخر علنًا. رئيس الليغا اتهم ريال مدريد بـ"التمثيل وخلق الدراما"، بينما وصف بيريز رابطة "الليغا" بأنها "متحيزة، وتفتقر إلى الحياد المؤسسي".
الحرب الكلامية بلغت حد السخرية في بعض الأحيان، إذ وصف تيباس طريقة المسؤول الأول عن "الميرنغي" في التعامل مع الخلافات بـ"أسلوب الزعماء الديكتاتوريين".
شكوى قضائية من ريال مدريد
في تصعيد قانوني غير مسبوق، قدّم ريال مدريد شكوى رسمية ضد رئيس الرابطة أمام المحكمة الإدارية للرياضة (TAD)، يتهمه فيها بانتهاك قواعد السرية والمهنية، على خلفية تسريبات متعلقة بحقوق البث وأمور تعاقدية.
وقد أعلنت المحكمة قبول الشكوى وفتح تحقيق رسمي، ما شكل صفعة جديدة لتيباس، وأعاد إلى الواجهة مسألة شرعية بعض ممارساته الإدارية.
أزمة التحكيم وضغط قناة ريال مدريد
قضية التحكيم الإسباني تعد من أكثر النقاط حساسية في الصراع، إذ يرى رئيس الريال أن الفريق يتعرض لقرارات مجحفة بشكل متكرر، وأن الرابطة تتجاهل مراجعة منظومة التحكيم بجدية.
وشهد الموسم الماضي حملة إعلامية شرسة شنتها قناة ريال مدريد الرسمية ضد الحكام، حيث بثت مرارًا مقاطع لتحكيم مثير للجدل، واتهمت اللجنة الفنية بالتحيز، في ضغط إعلامي غير مسبوق زاد من التوتر بين النادي والرابطة.
في المقابل، رد تيباس في تصريح سابق: "ما تفعله قناة ريال مدريد تحريض مرفوض، والأخطاء لا تعني الاستهداف"، واصفًا الاتهامات بـ"المؤامرة الوهمية التي تخدم غايات سياسية داخل اللعبة"، مناشدًا مسؤوليه بـ"الكف عن البكاء".
هل يطيح بيريز بتيباس من رئاسة رابطة "الليغا"؟
في ظل هذا المشهد المتأزم، يبدو أن فلورنتينو لا يتجه فقط إلى الدفاع عن مصالح ناديه، بل يقود حربًا طويلة المدى لإعادة تشكيل نظام كرة القدم في إسبانيا. وبينما تتعالى الأصوات الداعية للتغيير، قد يكون إزاحة تيباس من رئاسة "الليغا" الخطوة الكبرى التالية في خطة بيريز.
وتوحي كل المؤشرات إلى أن موسم الدوري الإسباني 2025-26، قد لا يكون مجرد موسم تنافسي، بل فصل جديد في صراع النفوذ داخل كرة القدم الإسبانية، والمواجهة القادمة قد تكتب خارج الملعب.