قبل مونديال الأندية بأكثر من قرن، بدت فكرة تتويج فريق كروي بطلاً للعالم جذابة للاتحاد الدولي لكرة القدم منذ تأسيسه عام 1904، وخاصة بعد سعي الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم للاستئثار بهذه البطولة في العام 1895، من خلال إقامة مباراة جمعت سندرلاند بطل الدوري مع هارتس بطل الدوري الإسكتلندي على لقب مسابقة أطلق عليها اسم بطولة العالم آنذاك.
المحاولة الأولى من الاتحاد الدولي لكرة القدم لإقامة بطولة عالمية للأندية جاءت في العام 1909، أي قبل 21 عامًا من إطلاق منافسات كأس العالم للمنتخبات في الأوروغواي، حيث أقيمت بطولة سميت باسم كأس السير توماس ليبتون وضمت أربعة أندية، من إيطاليا وإنجلترا وسويسرا وألمانيا، وفاز بنسختها الأولى فريق ويست أوكلاند الإنجليزي على حساب فينترثور السويسري، قبل أن يحتفظ بلقبه على حساب يوفنتوس الإيطالي بعد عامين، علمًا أن كلتا النسختين أقيمتا في مدينة تورينو.
لكن شبح الحرب العالمية الأولى لم يسمح بإقامة النسخة الثالثة، بينما جاء نجاح بطولة كاس العالم للمنتخبات ليدخل فكرة إقامة مونديال الأندية في سبات عميق، استمر حتى مطلع عقد الخمسينيات عندما نظم الاتحاد البرازيلي ما سماه (كأس العالم المصغرة) لكن الفيفا لم يعترف بها.
كأس الإنتركونتيننتال الخطوة الأولى في الطريق إلى مونديال الأندية
بعد خمس سنوات من انطلاق منافسات كأس الأبطال في القارة الأوروبية عام 1955، اتفق اليويفا مع نظيره في قارة أمريكا الجنوبية (كونميبول) على إقامة مباراة تجمع بين بطل أوروبا وبطل كوبا ليبرتادوريس تحت مسمى بطولة العالم (قبل أن يرفض الفيفا هذه التسمية)، على الرغم من أن هذه المباراة استمرت بطريقة الذهاب والإياب حتى العام 1980، عندما أصبحت تجري في اليابان من مباراة واحدة، بسبب تذمر الأندية الأوروبية من عدم الاقتناع بإقحامها في روزنامتها، وتكاليف الانتقال إلى أمريكا الجنوبية للعب، وعدم الجدوى الاقتصادية لها.
وابتداءً من العام 1980 بدأت هذه المواجهة بين بطل القارتين الأوروبية واللاتينية تجري في شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، تحت مسمى كأس الإنتر كونتيننتال، وأخذت اهتمامًا عالميًّا أكبر، بفضل شركات الرعاية اليابانية التي مولتها، في الوقت الذي فشل فيه الفيفا في وضع يده عليها.
ورغم ذلك، تعد هذه البطولة الخطوة الأولى في الطريق إلى مونديال الأندية بنظامها الحديث، في حين تعد أندية ميلان وريال مدريد بوكا جونيورز، إلى جانب بينارول وناسيونال (من الأوروغواي) الأكثر تتويجًا بلقب كأس إنتركونتننتال (ثلاث مرات لكل منها)، وذلك إلى أن توقفت في العام 2004.
كأس العالم للأندية تبصر النور أخيرًا
بعد نحو 91 عامًا على فكرة إقامة بطولة كأس العالم للأندية، نجحت مساعي الفيفا أخيرًا في إطلاق النسخة الأولى من البطولة في العام 2000 وذلك في البرازيل، وبحسب رئيس الفيفا آنذاك السويسري جوزيف بلاتر، فإن إحياء هذه الفكرة جاء بمساع خاصة من سيلفيو بيرلسكوني رئيس نادي ميلان في العام 1993.
وشهدت النسخة الأولى من مونديال الأندية بنظامه السابق مشاركة ثمانية أندية من مختلف القارات، ومثل القارة الأوروبية آنذاك فريقا ريال مدريد ومانشستر يونايتد، فيما كان فريقا النصر السعودي والرجاء البيضاوي المغربي ممثلي القارتين الآسيوية والأفريقية في البطولة، لكن اللقب كان من نصيب كورينثيانز البرازيلي.
وبحلول العام 2005، قرر الفيفا تغيير نظام البطولة إلى أدوار اقصائية تبدأ من خلال قارات آسيا وأفريقيا وأوقيانوسيا ومنطقة الكونكاكاف، قبل الوصول إلى نصف النهائي الذي يشهد مشاركة بطلي أوروبا وأمريكا الجنوبية، وذلك بهدف تخفيف ضغط روزنامة المباريات لضمان حضور بطل القارة الأوروبية دائمًا.
ومنح الفيفا شرف تنظيم النسخ الأربع الأولى لليابان لتعويضها عن إيقاف مباراة كأس الانتركونتيننتال، قبل أن تنتقل الاستضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، والمغرب وقطر إضافة إلى اليابان، بينما استضافت السعودية نسخة العام 2023 والتي تم الإعلان بأنها ستكون الأخيرة تمهيدًا لإطلاق النسخة الأولى من مونديال الأندية في العام 2025 في الولايات المتحدة بمشاركة 32 فريقًا، من بينها 12 ناديًا من القارة الأوروبية.
مونديال الأندية مقابل تجاهل السوبرليغ
الصراع ما بين الاتحاد الدولي لكرة القدم ونظيره الأوروبي لم يكن أمرًا خافيًا على أحد منذ عقود عدة، بدأت في عصر البرازيلي جواو هافيلانغ ونظيره السويدي لينارت يوهانسون في تسعينيات القرن الماضي. فالفيفا كان يراقب باهتمام مسابقة دوري أبطال أوروبا التي تدر سنويًّا أموالاً طائلة على اليويفا، وتزداد قوة ورواجًا من الناحيتين الاقتصادية والرياضية، في الوقت الذي يعتمد فيه الاتحاد الدولي على بطولة كأس العالم لمنتخبات الرجال بشكل أساسي، والتي تقام مرة كل أربع سنوات لتأمين نفقاته ومشاريعه والمساعدات التي يقدمها للاتحادات الوطنية.
ولم يكن الاتحاد الدولي لكرة القدم قادرًا على إقناع 12 ناديًا أوروبيًّا باقتطاع شهر كامل من راحتهم الصيفية (ولو مرة كل أربع سنوات)، لولا مساندة اليويفا للفكرة بقيادة الرئيس الحالي ألكسندر تشيفرين.
View this post on Instagram
وبحسب المعطيات، فقد كان لموقف الفيفا الداعم لنظيره الأوروبي في معركته ضد بطولة السوبرليغ التي هددت بشكل كبير انهيار أهم بطولات اليويفا (الشامبيونزليغ)، دور بارز في إطلاق النسخة الأولى من مونديال الأندية بنظامه الجديد الصيف المقبل.
ومارس رئيس الفيفا الإيطالي جياني إنفانتينو ضغوطات كبيرة على الأندية الأوروبية التي أعلنت رغبتها في إقامة بطولة السوبرليغ، من خلال تصريحات علنية أشارت إلى أن اللاعبين الذين سيشاركون في هذه البطولة سيحرمون من اللعب في بطولات الفيفا، وأبرزها كأس العالم، والتي تمثل حلم كل لاعب كرة قدم، ليرد الاتحاد الأوروبي الدين لنظيره الدولي من خلال الموافقة على مشاركة أندية القارة العجوز في المونديال العالمي للأندية، والتي تمثل العصب الأساسي لنجاحها.
تحديات كبيرة أمام النسخة الأولى
لم يكن اختيار الولايات المتحدة لاستضافة النسخة الأولى من مونديال الأندية من قبيل الصدفة، إذ أدرك الاتحاد الدولي منذ البداية أنه بحاجة إلى سوق كبيرة، يمكن من خلالها تغطية النفقات والجوائز المالية اللازمة لإنجاح البطولة، إضافة إلى البنية التحتية والملاعب والحضور الجماهيري.
لكن النسخة الأولى التي ستنطلق في الرابع عشر من يونيو المقبل ستمثل اختبارًا حقيقيًّا لقدرة الفيفا في الاستمرار بهذا المشروع الكبير، والذي يتطلع من خلاله إلى استثمار شعبية الأندية الكبرى من أجل زيادة أرباحه، ولتكون هذه البطولة (الشقيق التوأم) لبطولة كأس العالم للرجال، بحيث تقام بطولة العالم للأندية في العام الذي يسبق مونديال المنتخبات.
لكن البوادر الأولى لم تكن مشجعة، إذ عانى الفيفا في تسويق مباريات البطولة تلفزيونيًّا، خاصة وأن الكثير من القنوات العالمية لم تجد جدوى اقتصادية من بث أكثر من 60 مباراة لن تتابعها كافة الجماهير، بل ربما اقتصر الأمر على مشجعي الأندية المشاركة فقط، ويرى هؤلاء أن جماهير الأندية الإنجليزية والإسبانية لن تهرول من أجل متابعة فرق مانشستر سيتي وتشيلسي وريال مدريد وأتلتيكو مدريد، طالما أن أنديتها لا تشارك في البطولة.
وعليه، فإن الحكم على نجاح هذه البطولة واستمرارها مرهون بما ستحققه النسخة الأولى الصيف المقبل.