من صفقة قياسية لإعارة مفاجئة.. ماذا حدث في قصة دوران والنصر؟

في تحوّل مفاجئ وغير متوقع، أعلن نادي النصر السعودي رسميا إعارة مهاجمه الكولومبي جون دوران إلى فنربخشة التركي، ليُسدل الستار سريعاً على مغامرة لم تدم سوى ستة أشهر. هذا القرار المثير للجدل يأتي بعد أن كان دوران قد انضم إلى "العالمي" في يناير الماضي قادماً من أستون فيلا الإنجليزي في صفقة قُدّرت بمبلغ 77 مليون يورو، ومنحت آمالًا عريضة بين جماهير النادي العاصمي بأن يكون الإضافة الهجومية المنتظرة التي تعزز حظوظ الفريق في المنافسة على الألقاب المحلية والقارية.

دوران جاء إلى السعودية كموهبة شابة من أستون فيلا، محاطاً بهالة إعلامية وضغوط جماهيرية ضخمة، في صفقة صُنّفت حينها كضربة نوعية في سوق الانتقالات، كونه مهاجماً قوياً بدنياً قادراً على منح الفريق القوة في الثلث الأخير، وإعادة الأمل بعد موسمين بلا تتويج.

لكن كرة القدم لا تمنح ضمانات، وتَحوّل سريعاً من نجم قادم من البريميرليغ إلى اسم غير مرغوب فيه داخل النصر. الصدمة لم تكن في أدائه وحسب، بل في سرعة انهيار الرهان عليه، بعد أن أبلغته الإدارة بوضوح بضرورة الرحيل، وسط أجواء مضطربة ومطالبات جماهيرية بإصلاحات فورية.

المفارقة أن أرقام اللاعب لم تكن سيئة، حيث سجل 12 هدفاً في 18 مباراة وهي حصيلة جيّدة، مقارنة بزملائه، خاصة ساديو ماني. ورغم ذلك، قررت الإدارة التخلص منه. علماً أن قيمته التسويقية عرفت انخفاضاً إلى 35 مليون يورو، وهذا يعكس أن شيئاً لم يَسِر كما خُطط له، لكنه لا يبرّر بالضرورة نهاية التجربة بهذه السرعة.

في نهاية الموسم، بدا واضحاً أن ثقة النصر في اللاعب بدأت تتهاوى. ومع التوتر الجماهيري والضغط الكبير الذي تعرضت له الإدارة بعد موسم ثالث على التوالي دون ألقاب، جاء القرار المفاجئ بأن اللاعب خارج حسابات الموسم المقبل، بعد أن طلب النادي منه البحث عن نادٍ جديد، لتنتهي القصة مؤقتاً بإعارته إلى فنربخشة التركي في يوليو/تموز 2025.

هل كانت صفقة رابحة أم خاسرة؟

عند تقييم صفقة جون دوران مع النصر، لا بد من النظر إليها من زوايا متعددة. من الناحية المالية البحتة، فإن الصفقة تبدو في الوقت الراهن أقرب إلى الخسارة الفادحة. النصر دفع مبلغاً قياسياً قدره 77 مليون يورو لأستون فيلا لضم اللاعب، بالإضافة إلى الراتب الضخم الذي يتقاضاه. وبعد ستة أشهر فقط، تمت إعارته دون أن يحقق الفريق استفادة فنية أو تسويقية تُذكر من هذا الاستثمار الضخم. قيمة اللاعب التسويقية انخفضت بشكل حاد إلى 35 مليون يورو، مما يعني خسارة محتملة في حال بيعه مستقبلاً قد تتجاوز 40 مليون يورو، وهو ما يضع علامات استفهام كبرى حول جدوى الصفقة من الأساس.

أمّا من الناحية الفنية، فالموقف أكثر تعقيدًا. دوران شارك في 18 مباراة مع النصر وسجل 12 هدفًا. هذه الأرقام، بالنظر إلى عدد المباريات القليل نسبياً، ليست سيئة على الإطلاق. فبالمقارنة مع زميله ساديو ماني، الذي سجل 18 هدفًا في 47 مباراة خلال موسم 2024-2025 بأكمله، يتضح أن معدل أهداف دوران (0.66 هدف في المباراة الواحدة) كان أعلى بكثير من معدل ماني (0.38 هدف في المباراة الواحدة). 

لذا، إذا نظرنا فقط إلى أرقامه، لا يمكن القول إن اللاعب فشل رقمياً بشكل مطلق. ومع ذلك، لم يترجم هذا الإنتاج الفردي إلى تأثير كبير على نتائج الفريق، خاصةً في المباريات الحاسمة التي كان النصر يحتاجها للفوز من أجل الاقتراب من الألقاب، وهو ما قد يفسر قرار الإدارة.

لماذا لم ينجح دوران مع النصر؟

الفشل هنا ليس فنياً بحتاً، بقدر ما هو حالة شاملة من سوء التقدير والتسرع في التقييم. اللاعب واجه صعوبات واضحة في التأقلم مع الأجواء السعودية، سواء من حيث الثقافة أو الضغط الجماهيري أو طبيعة المباريات. كما أن توقيت قدومه في منتصف الموسم لم يساعده في الانسجام الكامل مع المنظومة.

وعانى اللاعب من صعوبات كبيرة في التأقلم مع أجواء الدوري السعودي، سواء من الناحية التكتيكية أو في الانسجام مع زملائه في الفريق، كما أن انتقاله من الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث أسلوب اللعب مختلف والضغوط أكثر حدة، شكّل تحولاً كبيراً للاعب لا يزال في سن 21 عاماً. وبدا جلياً أن الانسجام المطلوب مع طريقة لعب النصر لم يتحقق بالسرعة المرجوة، وهو ما أثّر بشكل مباشر في ظهوره داخل الملعب.

كما واجه دوران ضغطاً هائلاً وتوقعات مرتفعة منذ لحظة توقيعه للنصر، خصوصاً أن الصفقة كانت ضخمة من الناحية المالية، وجاءت في وقت كانت فيه الجماهير تطالب بتحقيق البطولات وتعزيز الفريق هجومياً، هذا الكم من الضغط قد انعكس على أداء اللاعب وثقته بنفسه، لا سيما في اللحظات الحاسمة التي تتطلب هدوءاً وتركيزاً كبيرين.

هل تسرع النصر في الحكم على اللاعب؟

ما يزيد القصة تعقيداً أن أداء دوران -رقمياً- كان أكثر فاعلية من ساديو ماني نفسه، الذي خاض موسم 2024-25 كاملًا وسجل 18 هدفاً في 47 مباراة، مقابل 12 هدفاً لدوران في 18 لقاء فقط. بل إن كثيرين رأوا أن استمرار ماني ورحيل دوران يعكس ازدواجية في تقييم اللاعبين داخل النصر.

لكن النصر -بعد موسم ثالث بدون ألقاب- لم يكن في وضعٍ يسمح بتكرار التجارب أو إعطاء الفرص، خصوصاً أن الفريق كان بحاجة لإعادة بناء سريع قادر على مقارعة الهلال والاتحاد والأهلي محلياً وآسيوياً.

ومع ذلك، فإن المقارنة مع تجربة أندرسون تاليسكا قد تعيد طرح الأسئلة ذاتها مجدداً. النجم البرازيلي الذي خرج من النصر بعد فترة من التألق، عاد ليبدع في فنربخشة التركي، وسجل في أول نصف موسم 12 هدفاً وصنع هدفين في 23 مباراة فقط.. فهل يُعيد دوران نفس السيناريو؟ وهل يندم النصر على رحيله سريعاً؟

كم كلّف دوران خزينة النصر فعلياً؟

صفقة جون دوران كانت واحدة من أغلى المغامرات في تاريخ النصر، ليس فقط بسبب قيمة الانتقال التي بلغت 77 مليون يورو، بل أيضاً بسبب الراتب السنوي الضخم الذي حصل عليه اللاعب. وحسب التقارير، فإن دوران كان يتقاضى راتباً أسبوعياً قدره 329 ألف جنيه إسترليني، أي نحو 504 آلاف دولار أمريكي، ما يعادل سنويا 17.1 مليون جنيه إسترليني (حوالي 22.1 مليون دولار).

وبناءً على ذلك، فإن النصر دفع خلال نصف موسم فقط ما يقارب 87 مليون يورو، تشمل 77 مليون يورو هي قيمة الصفقة الأصلية، علاوة على نحو 10 ملايين يورو كراتب نصف سنوي من أصل 17.1 مليون جنيه إسترليني كان يتقاضاها اللاعب سنوياً. وهذا يعني أن النادي أنفق ما لا يقل عن 87 مليون يورو على لاعبٍ خاض 18 مباراة فقط وسجل 12 هدفاً دون أن يسهم في أي لقب جماعي، ما يجعل تكلفة كل هدف تتجاوز 7.25 ملايين يورو.

بين تاليسكا ودوران.. هل كرر النصر نفس الخطأ؟

في الواقع، خطّ النصر نفس الدائرة مرتين، وبفاصلٍ زمني لا يتجاوز ستة أشهر. ففي يناير/ كانون الثاني 2025، رحل البرازيلي أندرسون تاليسكا إلى فنربخشة التركي في صفقة انتقال حر، رغم أنه كان يقدم مستويات جيدة مع النصر في النصف الأول من الموسم. القرار جاء لسبب واضح: إفساح المجال أمام الصفقة القادمة، الكولومبي جون دوران، الذي وصل في نفس الشهر مقابل 77 مليون يورو.

تاليسكا تألق من جديد في تركيا، ونجح في تسجيل 12 هدفاً وصناعة هدفين خلال 23 مباراة فقط مع فنربخشة، ليؤكد أنه لم يكن يستحق الخروج من المشهد بتلك السرعة. أمّا دوران، فيبدأ الآن مغامرته الأوروبية الجديدة من نفس البوابة، وسط ترقّب واسع لمعرفة ما إذا كان سيعيد كتابة سيناريو مشابه، ويثبت أن النصر ربما تسرّع مرة أخرى في طي صفحة لم تأخذ وقتها الكافي.