منذ عقود طويلة، كانت الكرة الألمانية وجهة لعدد من النجوم المغاربة الذين تركوا بصمتهم في البوندسليغا، سواء عبر الأداء الفني الرفيع أو الانضباط التكتيكي الذي تشتهر به الملاعب هناك.
وارتبطت الجماهير المغربية بالدوري الألماني عبر قصص عديدة، لكن ما يميز الجيل الحديث هو حضور أشرف حكيمي القوي مع بوروسيا دورتموند، ونصير مزراوي الذي خاض تجارب مميزة مع بايرن ميونخ قبل انضمامه إلى مانشستر يونايتد في صيف 2024، الحضور المغربي بهذا المستوى يؤكد عمق العلاقة بين المغاربة والكرة الألمانية.
التأقلم في البوندسليغا لم يكن بالأمر السهل، فالانضباط الألماني الشهير والمنافسة القوية يضعان أي لاعب تحت ضغط متواصل، فيما أكد أكثر من نجم مغربي أن الموهبة والعقلية الاحترافية قادران على فرض النجاح حتى في أصعب الظروف، وأن الطموح قد يتجاوز كل العراقيل.
وإذا كان بعض المغاربة قد واجهوا صعوبات حالت دون استمرارية طويلة، فإن التجارب الناجحة لعدد من المغاربة في ألمانيا تمنح الأجيال الجديدة دافعاً إضافياً لخوض المغامرة الأوروبية بثقة أكبر.
منذ بدايات التسعينيات، ظل الدوري الألماني وجهة محببة للاعبين المغاربة ووجد هؤلاء في البوندسليغا بيئة تنافسية عالية، وفضاءً لإبراز قدراتهم وسط مدارس كروية متقدمة.
وإذا كان البعض يتذكر أسماء بارزة مثل رشيد عزوزي الذي حمل ألوان دويسبورغ في مطلع التسعينيات، أو عبد العزيز حنفوف الذي تنقل بين عدة أندية منذ نهاية التسعينيات، فإن الجيل الأحدث قدم أسماء أشد تأثيراً على غرار أمين حارث مع شالكه، وأمين عدلي الذي تألق بقوة في صفوف باير ليفركوزن.
لكن يبقى أيمن برقوق علامة فارقة، فهو أكثر نجم مغربي خاض مواجهات عديدة في البوندسليغا (الدرجة الأولى) بـ113 مباراة وذلك طبقاً لبيانات منصة "ترانسفير ماركت" العالمية، فلاعب الوسط الهجومي الذي بدأ رحلته مع آينتراخت فرانكفورت عام 2016، سرعان ما تنقل بين محطات متعددة في ألمانيا، أبرزها دوسلدورف وماينز وهيرتا برلين وشالكه، ليجمع حصيلة غنية من الخبرات قلّما وصل إليها لاعب مغربي آخر.
وما يميز تجربة برقوق ليس فقط عدد المباريات، بل نوعية الأندية التي مثلها، فالتنقل بين فرق متوسطة وصاعدة مثل ماينز ودوسلدورف، وأخرى عريقة كفرانكفورت وشالكه، جعله يختبر مستويات مختلفة من الضغوط، ويطور قدراته في أكثر من سياق تكتيكي. وهذا التنوع أضاف لرصيده خبرة مضاعفة على المستويين الفني والذهني.
إلى جانب برقوق، لا يمكن تجاهل تجارب أسماء أخرى صنعت حضورًا مغربيًا بارزًا، مثل عادل شيحي مع كولن وياسين عبد الصادقي مع فرايبورغ، بجانب النجم المنتقل حديثاً إلى شتوتغارت، بلال الخنوس الذي غادر ليستر سيتي بعد هبوطه من البريميرليغ حيث تنتظره تحديات مختلفة في الدوري الألماني والدوري الأوروبي.
وفي المحصلة، يظهر أن العلاقة بين الكرة الألمانية واللاعبين المغاربة علاقة ممتدة عبر الأجيال، تتراوح بين تجارب متقطعة وأخرى صنعت تاريخاً، فالموهبة المغربية أثبتت قدرتها على التأقلم مع الانضباط الألماني الصارم، وهو ما يجعل الباب مفتوحًا أمام أجيال جديدة لخوض المغامرة ذاتها، وربما تجاوز أرقام وإنجازات من سبقوهم.