مع ثورة التكتيكات، أصبح البناء من الخلف هو السمة في كرة القدم الحديثة، وتطورت أكثر من طريقة لجعل بناء الهجمة سلسًا، وهذا أمر مهووس به مدرب مثل بيب غوارديولا وبعض المدربين الآخرين، لكن فكرته الأساسية كان مصدرها مدرب سابق لنادي بيراميدز المصري.
كان غوارديولا مهووسًا بما سمي بناء لافولبيانا للهجمات أو The Lavolpiana Build Up.
لفهم ماهية هذا التكتيك بشكل أفضل وتقييم مدى فائدته فمن الضروري العودة إلى أصوله لاكتشاف مصدره، فقد سُمي هذا المفهوم تيمنًا بالمدرب الأرجنتيني ريكاردو لا فولبي، الذي تولى تدريب بيراميدز بطل أفريقيا في فترة من الفترات.
ما هو بناء لافولبيانا؟
هي فلسفة خاصة في بداية الهجمة من الخلف، تقضي بتراجع لاعب الوسط المدافع ليكون بين قلبي الدفاع مع تقدم الظهيرين كما توضح الصورة أدناه. هذا يخلق زيادة عددية أمام ضغط المنافس خاصة إن لعب باثنين من المهاجمين.
في خط دفاعي مُفترض أنه مُكوّن من أربعة لاعبين (اثنان في مركز قلب الدفاع واثنان في مركز الظهير)، يُصبح الخط ثلاثة لاعبين، مع ضمّ الظهيرين إلى خط اللعب التالي في العمق والعرض.
فبدلاً من وجود اثنين من قلبي الدفاع يسقط لاعب الوسط بينهما ليكونا 3، وبذلك يوفر خيارات تمرير أفضل وزيادة عددية (3 ضد اثنين خلال بناء الهجمة)، وهذا يعطي أمانًا أكثر للتمرير من الحارس والخط الخلفي، وفتح أطراف الملعب لصعود الطرفين بحرية، ويكسر خطوط ضغط المنافس الأولى.
سمي ذلك بالإسبانية La Salida Lavolpiana، أي الخروج بالكرة بطريقة لا فولبي.
يمكن رؤية مثال على ذلك في مباراة أرسنال الافتتاحية ضد مانشستر يونايتد في الصورة أعلاه، حيث انتقل لاعب الوسط الدفاعي الجديد مارتن زوبيمندي بين قلبي الدفاع غابرييل وويليام ساليبا، بينما تقدم الظهيران إلى ما بعد خط المنتصف.
بالطبع، لا يمكننا أن ننسى بيب غوارديولا، فأرتيتا ورثها من المدرب الإسباني، الذي يعتمد على هذه الطريقة في بناء الهجمة منذ فترته في برشلونة، لكن غوارديولا نفسه ورثها من المدرب السابق لنادي بيراميدز.
وواصل غوارديولا اللعب بهذه الطريقة في مباراته الافتتاحية في الدوري الإنجليزي الممتاز ضد وولفرهامبتون، حيث كانت هناك حالتان من هذه الحركة في نفس الدقيقة، إذ تراجع نيكو غونزاليس بين جون ستونز وروبن دياز، قبل أن يحذو تيجاني رايندرز حذوه بعد ثوانٍ، ليسحب لاعبي وولفرهامبتون بعيدًا ويساعد مانشستر سيتي في التقدم بالكرة.
لماذا تُستخدم هذه الطريقة على نطاق واسع الآن في كرة القدم؟ ببساطة، إنها طريقة لخلق المساحات، ما يسمح بتداول أسرع للكرة، وغالبًا ما يترك لمهاجمي الفريق المنافس مساحة واسعة جدًّا لتغطيتها، ما يسمح لقلبَي الدفاع بالتقدم إلى المساحة أمامهما أو تشكيل مثلثات واسعة مع ظهيرهما ولاعب خط الوسط على نفس الجانب.
كيف استلهم غوارديولا تلك الفكرة؟
فترة لعب المدرب الإسباني غوارديولا التي استمرت ستة أشهر مع نادي دورادوس دي سينالوا المكسيكي عام 2006 كانت محورية في تشكيل مسيرته التدريبية. فقد تعلم تلك الفكرة من مدرب المنتخب المكسيكي آنذاك ريكاردو لا فولبي.
كان لا فولبي حارس مرمى، وفاز بكأس العالم مع الأرجنتين عام 1978، قبل أن يدرب قائمة طويلة من الأندية والمنتخبات خلال مسيرته الإدارية، بما في ذلك بوكا جونيورز وفيليز سارسفيلد ومونتيري.
قال مدرب بيراميدز السابق لصحيفة "ذا أثليتيك" في عام 2021: "استخدمتُ هذا النظام مع المنتخب المكسيكي في كأس القارات عام 2005، ومرة أخرى عام 2006، لأن العديد من الفرق اعتمدت خطة 4-4-2 في الضغط علينا".
بعد اعتزاله اللعب في صيف عام 2006. وعند عودته إلى إسبانيا، كتب غوارديولا عمودًا في صحيفة "إل بايس" الإسبانية خلال كأس العالم في ألمانيا، وكشف عن إعجابه بأساليب لا فولبي خلال أسلوب المكسيك في بناء الهجمة في البطولة.
مع هذا الأسلوب المدروس في بناء الهجمة من الخلف وخلق المساحات وحبه للزيادة العددية، لم يكن من المستغرب أن أساليب لا فولبي تنطق بالمعنى الدقيق الذي يُثير حماس المدرب الإسباني.
لم يمضِ وقت طويل حتى تبنى غوارديولا هذه الفكرة، وذلك بعد توليه إدارة برشلونة الرديف بعد 18 شهرًا فقط من اعتزاله، قبل ترقيته إلى منصب المدرب الأول في كامب نو في صيف 2008.
فترته مع بيراميدز
استعان نادي بيراميدز عندما كان تحت ملكية السعودي تركي آل الشيخ في بداية تأسيسه بهذا الخبير بريكاردو لا فولبي كمدير رياضي، ثم تولى مهمة القيادة الفنية للفريق فى 7 مباريات بالفترة ما بين أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول 2018.
لم يدرب لا فولبي أي فريق منذ عام 2024، لكنه لا يزال متحمسًا لشرح تكتيكات كرة القدم حتى وهو في سن 73 عامًا، ولديه قناة خاصة به على يوتيوب تُحلل اللعبة الحديثة وتشرح أساليبها، بما في ذلك أسلوبه المميز في بناء الهجمة.