يعد يوم 30 يوليو/ تموز 1966 محفورًا في ذاكرة الكرة الإنجليزية، إذ نجح منتخب إنجلترا في التتويج بلقب كأس العالم لأول وآخر مرة في تاريخه، لكن هذا التتويج لم يكن خاليًا من الجدل، بل ارتبط بهدف لا يزال يُوصف بـ"المشبوه"، ويُعدّ أحد أكثر الأهداف إثارة للجدل في تاريخ اللعبة.
وفي عالم الكرة، تظل بعض اللحظات أسيرة للجدل، لا تُحسم مهما تطورت التكنولوجيا أو تعاقبت الأجيال، وهدف جيف هيرست في نهائي ويمبلي 1966 سيبقى شاهدًا على كيف يمكن لقرار واحد أن يغير مسار بطولة، ويصنع مجد أمة ويشعل جدلًا يستمر لعقود.
الطريق إلى ويمبلي.. منتخب إنجلترا يبحث عن أول لقب في تاريخه
استضافت إنجلترا نهائيات كأس العالم 1966 بمشاركة 16 منتخبًا، وخاضت البطولة بنظام المجموعات، مثل مونديال 1962 في تشيلي، وجاء الإنجليز في المجموعة الأولى إلى جانب الأوروغواي، فرنسا، والمكسيك، ونجحت في تصدر المجموعة بعد تحقيق انتصارين وتعادل.
في ربع النهائي، أقصت إنجلترا منتخب الأرجنتين بهدف مثير من جيف هيرست، في مباراة شهدت طرد قائد الأرجنتين أنطونيو راتين في قرار مثير للجدل أيضًا، ثم تغلب الإنجليز على البرتغال بهدفين مقابل هدف، أما ألمانيا الغربية، فتأهلت من المجموعة الثانية، ثم تجاوزت أورغواي برباعية نظيفة في ربع النهائي، قبل أن تهزم الاتحاد السوفيتي 2-1 في نصف النهائي.
نهائي كأس العالم 1966 لا يُنسى.. 120 دقيقة من الدراما
دخلت إنجلترا بقيادة المدرب ألف رامسي اللقاء بتشكيلتها المعتادة، معتمدة على الثلاثي الهجومي: بوبي تشارلتون، مارتن بيترز، وجيف هيرست، فيما قاد المدرب الألماني هيلموت شون تشكيلة منظمة يقودها سيغفريد هيلد وهيلموت هالر.
جاءت البداية مثيرة، إذ افتتحت ألمانيا التسجيل في الدقيقة (12) عن طريق هالر، لكن الإنجليز ردوا سريعًا بهدف التعادل عبر هيرست في الدقيقة (18)، ومع مرور الوقت، بدا أن المباراة تتجه إلى نهايتها بالتعادل، إلا أن مارتن بيترز منح التقدم لإنجلترا في الدقيقة (78).
لكن الألمان أظهروا روحًا قتالية لا تصدق، وعادلوا النتيجة في الدقيقة (89) عبر فولفغانغ فيبر، ليرسلوا المباراة إلى الأشواط الإضافية.
لحظة هدف إنجلترا المشبوه.. هل عبرت الكرة بكامل محيطها خط المرمى؟
في الدقيقة (101) من الشوط الإضافي الأول، سدد جيف هيرست كرة قوية ارتطمت بأسفل العارضة، ثم ارتدت إلى الأرض بشكل عمودي قرب خط المرمى، قبل أن يبعدها الدفاع الألماني بسرعة، احتج لاعبو ألمانيا بقوة، مؤكدين أن الكرة لم تعبر الخط، بينما احتفل الإنجليز بالهدف.
هدف إنجلترا الثالث في شباك ألمانيا
لكن ظل السؤال الذي حبس أنفاس الجميع: هل عبرت الكرة بكامل محيطها خط المرمى؟ في ذلك الوقت، لم تكن هناك تقنيات حديثة مثل "عين الصقر" أو "تقنية خط المرمى" أو "VAR"، وكان القرار بيد الحكم السويسري جوتفريد دينست، الذي تردد في اتخاذ قرار فوري، فلجأ إلى مساعده السوفيتي توفيق باكهراموف، والذي أشار إليه بأن الكرة تجاوزت الخط، ليتم احتساب الهدف.
احتسب الهدف الثالث لإنجلترا وسط فرحة عارمة في ملعب ويمبلي، وذهول من لاعبي ألمانيا الذين واصلوا احتجاجاتهم من دون جدوى، قبل أن يعود جيف هيرست ويضيف الهدف الرابع في الدقيقة (120)، مستغلًّا اندفاع الألمان للهجوم، ليصبح أول لاعب يسجل "هاتريك" في نهائي كأس العالم حتى يومنا هذا، ويمنح الإنجليز لقبهم الأول والوحيد في تاريخ البطولة.
"لم تدخل!".. الجدل الذي لم ينته
رغم مرور عقود، لا تزال لقطات الهدف المشبوه تعرض وتحلل حتى اليوم، وقد أظهرت دراسات وتحليلات تقنية لاحقة، من بينها دراسة ألمانية عام 1995 استخدمت المحاكاة بالحاسوب، أن الكرة لم تعبر خط المرمى بالكامل، بل توقفت قبله ببضعة سنتيمترات.
في المقابل، أظهرت محاولات إنجليزية أن الكرة ربما كانت قد عبرت الخط، مستندين إلى زاوية السقوط وسرعة الكرة، لكن حتى في وجود آراء محايدة، ظل الموقف غير محسوم، ما عزز وصف الهدف بأنه "الهدف الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المونديال".
وبفضل ذلك الهدف، توج المنتخب الإنجليزي بلقبه الوحيد، الذي لا يزال يحمل طابعًا خاصًّا في تاريخ الكرة البريطانية، كما أن "هاتريك" هيرست ظل إنجازًا فريدًا لم يُكرر حتى نهائي 2022، عندما سجل كيليان مبابي ثلاثية لفرنسا أمام الأرجنتين، لكن منتخب بلاده خسر بركلات الترجيح.
أما ألمانيا، فكانت قد بدأت عصرًا جديدًا من النجاحات، إذ ردّت سريعًا بعد أربع سنوات، وتوجت بلقب كأس أوروبا 1972، ثم كأس العالم 1974 على أرضها.