في كرة القدم، كثيراً ما تكتب قصص النجاح على أنقاض لحظات قاسية وصدمات مؤلمة، واللاعب المغربي الشاب إلياس بن صغير يجسد هذه الفرضية.
وبعد أن كان على وشك التوقف عن مداعبة الساحرة المستديرة بسبب صدمة نفسية قاسية نتيجة وفاة والده بفيروس كورونا عام 2020، عاد بقوة ليصنع لنفسه مساراً استثنائياً، وصولاً إلى توقيعه رسمياً مع نادي باير ليفركوزن.
وأعلن نادي باير ليفركوزن تعاقده مع النجم المغربي بعقد طويل الأمد حتى 30 يونيو/حزيران 2030.
البداية من سان تروبيه
وُلِد إلياس بن صغير عام 2005 في مدينة سان تروبيه الساحلية جنوب فرنسا، وسط عائلة مغربية الجذور، ومنذ سن الخامسة، بدأ رحلته مع الساحرة المستديرة عبر نادي كوجولينوا، حيث قضى ست سنوات في تطوير مهاراته الفنية، ولفتت موهبته الأنظار سريعاً، لينتقل في 2016 إلى نادي فريغوس سان رافاييل، وهو الفريق الذي سبق أن قدّم المدافع الفرنسي عادل رامي.
في تلك المرحلة، بدأت بعض الأندية الكبرى في مراقبته، وعلى رأسها نادي نيس، الذي ضم شقيقه الأكبر سليم بن صغير لفرق الشباب، ورغم هذه المراقبة، اعتبره كشافو نيس "ضعيف البنية" وغير قادر على الوصول للمستوى الأعلى، وكانت ضربة نفسية قوية لإلياس الصغير، لكنها لم تكن نهاية القصة.
صدمة وفاة والده والاكتئاب
المنعطف الأكبر في حياة إلياس لم يكن رياضياً بقدر ما كان إنسانياً، في عام 2020، فقد والده متأثراً بإصابته بفيروس كورونا الذي اجتاح العالم، وقع الخبر كالصاعقة على اللاعب الشاب، ودخل في حالة اكتئاب حادة جعلته يبتعد عن التدريبات لأكثر من شهرين مع موناكو، الذي كان قد استدعاه لأكاديميته حينها.
وسبق أن تحدث بن صغير عن هذه الأزمة وقال: "والدي كان يحلم برؤيتي ألعب في المستوى العالي، لسوء الحظ رحل قبل أن يتحقق حلمه، فقدانه لم يكن بالأمر الهين بالنسبة لي.. عشت فترة صعبة على الصعيد النفسي بعد رحيله".
وكان اللاعب الشاب قريباً جداً من اتخاذ قرار الاعتزال النهائي، لولا دعم الأصدقاء وبعض المقربين الذين ساعدوه على استعادة ثقته بنفسه، حيث سافر إلى تونس مع عائلة أحد أصدقائه، وهناك خاض تدريبات بدنية مكثفة حتى وصل لمرحلة قال عنها: "لم أعد أشعر بالتعب"، وتلك اللحظة كانت نقطة التحول في مسيرته.
إلياس بن صغير والعودة أقوى مع موناكو
عندما عاد إلى موناكو بعد هذه الأزمة، بدا إلياس بن صغير وكأنه لاعب مختلف تماما؛ قوي بدنيا، ناضج ذهنيا، وأكثر استعدادًا لخوض التحديات، وتألق بشكل لافت مع الفئات السنية، لدرجة أن النادي قرر منحه عقداً احترافياً في سن السابعة عشرة فقط، ليتدرج سريعًا إلى أن وصل للفريق الأول.
خلال مواسمه مع موناكو، أثبت الموهبة المغربية أنه ليس مجرد لاعب عادي، بل هو جناح يمتلك خصائص فنية نادرة، بسبب سرعة فائقة، ومهارته العالية في المراوغة، كما أنه يمتاز بقدم يمنى قوية تمكنه من التسجيل وصناعة الأهداف من أصعب الزوايا.
الانتقال إلى باير ليفركوزن
داخل ليفركوزن، تنتظر بن صغير مهمة واضحة، تتمثل في أن يكون البديل الإستراتيجي لمواطنه أمين عدلي، الذي لمع الموسم الماضي كأحد نجوم الفريق قبل أن ينتقل إلى بورنموث الإنجليزي في صفقة بلغت قيمتها 21 مليون يورو.
ويملك بن صغير قدرة كبرى على شغل مركز المهاجم الصريح أو صانع الألعاب الهجومي، إلى جانب مركزه الأساسي كجناح أيسر، ما يجعله إضافة نوعية من حيث الحلول الهجومية، وهذا التنوع هو ما جعل إدارة ليفركوزن تعتبره الخليفة الطبيعي لعدلي، مع فارقٍ أن بن صغير أصغر سناً وأكثر قابلية للتطور.
وأثبت إلياس بن صغير خلال فترته مع موناكو أنه ليس مجرد جناح تقليدي، فقد خاض 85 مباراة مع الفريق الفرنسي، سجل خلالها 15 هدفًا وقدم 8 تمريرات حاسمة، وتظهر أرقامه مع فريقه السابق أنه لاعب حاسم، قادر على صناعة الفارق في المباريات الصعبة.
اللافت في تجربة إلياس بن صغير مع موناكو أنها لم تقتصر على الأرقام المميزة التي حققها داخل الملعب، بل امتدت لتشمل العقلية القوية التي كونها بعد تخطيه أزمته النفسية القاسية، فقد أصبح لاعباً أكثر صلابة وإصراراً، يملك الجرأة على مواجهة المدافعين والقدرة على اختراق المساحات بسرعة، وهو ما يمنحه قيمة إضافية تتجاوز مجرد تسجيل الأهداف وتقديم التمريرات الحاسمة.
واليوم، يقف إلياس بن صغير على أعتاب مرحلة جديدة، محاطاً بآمال جماهير ليفركوزن والمغرب معا، فالنادي الألماني يطمح لتكرار إنجازاته الأوروبية، والمنتخب المغربي يراهن عليه ليكون أحد الوجوه التي تحمل الراية مستقبلاً.