لا تقتصر بطولة كأس العالم على كونها مجرد مسابقة في كرة القدم تقام كل أربع سنوات، بل تمثل حدثا عالميا تتقاطع فيه السياسة بالرياضة، وتتشابك خلاله المصالح، وتولد منه حكايات تظل عالقة في ذاكرة عشاق كرة القدم لعقود، ومن بين هذه القصص، ما يصعب تصديقه أنه وقع فعلا، كما حدث في نسخة عام 1966 التي استضافتها إنجلترا، مهد كرة القدم.
هذه النسخة، التي كان من المفترض أن تكون الأكثر تنظيماً وانضباطاً لكونها على أرض الإنجليز، شهدت واحدة من أغرب الوقائع في تاريخ البطولة، عندما نقلت مباراة في دور المجموعات من ملعب "ويمبلي" الشهير إلى ملعب آخر، لا لسبب أمني أو سياسي أو حتى لظروف الطقس، بل لأن إدارة "ويمبلي" رفضت إلغاء سباق الكلاب السلوقية التقليدي.
وهي حادثة عبثية توضح كيف يمكن أن تتقدم تقاليد محلية على حدث كروي عالمي، حتى وإن كان بحجم كأس العالم؛ والكلاب السلوقية ليست اسماً لكلب معين، بل هي فصيل من كلاب الصيد يتميز بالرشاقة والسرعة العالية، ويعود أصله إلى الجزيرة العربية منذ آلاف السنين.
ومن خلال الأسطر القادمة، يكشف winwin خفايا نقل مباراة فرنسا وأوروغواي، وسر تفضيل المسؤولين إقامة سباق الكلاب على استضافة واحدة من مباريات كرة القدم في كأس العالم.
عندما تفوقت الكلاب على كرة القدم
في نسخة 1966 من كأس العالم، قرر المنظمون أن تُقام جميع مباريات المجموعة التي تضم منتخب إنجلترا على ملعب "ويمبلي"، وهو أحد أعرق الملاعب في العالم، لكن قراراً غريباً قلب هذا المخطط رأساً على عقب، حينما رفضت إدارة الملعب إلغاء سباق الكلاب السلوقية المقرر في نفس يوم مباراة فرنسا وأوروغواي، لتجبر الفيفا على نقل المباراة إلى ملعب "وايت سيتي" في قلب العاصمة لندن.
ورغم أن "وايت سيتي" يعد ملعباً رياضياً عريقاً بُني خصيصاً للألعاب الأولمبية عام 1908، لم يكن مخصصاً لمباريات كرة القدم، بل كان يُستخدم في الأساس لسباقات الكلاب والمناسبات الكبرى، وفي تلك الليلة، تحوّل إلى مسرح استثنائي لكأس العالم، في سابقة لم تتكرر، حيث تابع أكثر من 45 ألف متفرج فوز الأوروغواي على فرنسا (2-1)؛ ولم تُلعب المباراة في "ويمبلي" لأن الملعب كان مشغولاً بحدث محلي اعتاد عليه الإنجليز منذ سنوات.. لقد كانت ليلة سباق الكلاب!
ما جرى لم يكن مجرد تغيير ملعب، بل مفارقة تسللت إلى قلب البطولة، ملعب غير كروي يستضيف مواجهة مونديالية لأن التقاليد المحلية لا تتزحزح، ولو كان البديل هو كأس العالم؛ ومع أن النتيجة مرت كأي مباراة أخرى، إلا أن السبب وراء نقلها ظل محفوراً في ذاكرة البطولة كعلامة فارقة على خضوع اللعبة لصوت التقاليد، ولو مؤقتاً.
ما السبب الحقيقي وراء تقديم سباق الكلاب على حساب كأس العالم ؟
لكن لماذا تمسكت إدارة "ويمبلي" بإقامة سباق الكلاب السلوقية رغم تعارضه مع جدول كأس العالم؟ ببساطة، لأن الملعب لم يكن يُدار بمنطق رياضي بل بعقلية استثمارية. آرثر إلفين، الرجل الذي أنقذ "ويمبلي" في عشرينيات القرن الماضي، حوله إلى مشروع ربحي يعتمد على أنشطة تُدِرّ دخلاً طوال الأسبوع، مثل سباقات الكلاب والدراجات النارية، والتي شكلت مصدراً مالياً ثابتاً يفوق أحياناً أرباح الفعاليات الكبرى، بالنسبة لإلفين، كانت هذه السباقات "الخبز اليومي" الذي يضمن استمرارية الملعب أكثر من أي بطولة عالمية مؤقتة.
في ويمبلي.. الأجواء لم تعكس ملامح كرة القدم بل سباق كلاب يستعد للانطلاق
وفي أحد تصريحاته المسجلة، أوضح إلفين أن حتى بعد انتهاء نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، كان يتم تفكيك المرمى مباشرة قبل خروج آخر مشجع، لتجهيز المضمار لسباق الكلاب الليلي؛ هذا وحده يكشف حجم الاعتماد على هذه الفعالية كمصدر دخل مضمون.
ولم يكن "ويمبلي" آنذاك ملعباً عاماً تديره الدولة، بل منشأة خاصة تُدار بعقلية تجارية، حيث كانت الأولوية للعائد المنتظم لا للبطولات العابرة، قرار الإدارة لم يكن رفضاً للمونديال، بل ترجمة لرؤية اقتصادية منحت السباقات المحلية قيمة تفوق مباراة في كأس العالم.