لا تخلو كرة القدم، وخاصة الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليغ"، من المواقف الغريبة التي تبقى عالقة في الذاكرة، وبعض هذه المواقف يتحول مع مرور الزمن إلى قصص أسطورية تُروى لجماهير لم تعاصرها.
ومن بين أغرب المشاهد في تاريخ "البريميرليغ"، واقعة نيفيل ساوثهول، الحارس الأسطوري لإيفرتون ومنتخب ويلز، حين قرر أن يقضي استراحة ما بين الشوطين جالسًا في مرماه بدلاً من العودة إلى غرفة الملابس مع زملائه.
كان يوم 25 أغسطس/آب 1990 موعد افتتاح موسم 1990-91 من الدوري الإنجليزي، قبل إطلاق مسمى "البريميرليغ"، واستضاف إيفرتون على ملعبه "غوديسون بارك" فريق ليدز يونايتد الصاعد حديثاً إلى الأضواء بعد غياب دام ثماني سنوات.
المدرب كولين هارفي كان قد طالب لاعبيه قبل اللقاء بالتماسك وتقديم صورة قوية تعكس وحدة الفريق، خاصة أن الأجواء داخل النادي لم تكن مستقرة، ما أثار غضب الجماهير.
ورغم الدعوات بالتماسك، لم تأتِ البداية كما أراد هارفي، إذ تقدم ليدز مبكراً عبر كريس فيركلاف بعد ثماني دقائق فقط، ثم أضاع إيفرتون فرصة التعادل بعدما أهدر نيل ماكدونالد ركلة جزاء في الدقيقة (25)، وبعدها بدقائق قليلة، ضاعف النجم الشاب غاري سبيد النتيجة للفريق الضيف في الدقيقة (34).
المشهد الأغرب في البريميرليغ بين الشوطين!
وعند إطلاق الحكم صافرة نهاية الشوط الأول بتأخر إيفرتون (0-2)، توجه اللاعبون سريعاً إلى غرفة الملابس، لكن نيفيل ساوثهول جلس وحده عند المرمى على أرضية الملعب، وظل الحارس الويلزي في مكانه طوال فترة الاستراحة، رافضًا العودة مع زملائه، في مشهد أثار دهشة الجماهير في المدرجات وعدسات الصحافة.
لحظة جلوس ساوثهول
تعددت التفسيرات، وقيل إنه كان يخشى مواجهة المدرب هارفي وتلقي توبيخ قاسٍ بعد الأخطاء الدفاعية، وآخرون اعتبروا تصرفه نوعاً من "المقاطعة" أو "العناد".
لكن ساوثهول نفسه أوضح لاحقاً أنه لم يقصد شيئاً سوى تصفية ذهنه وإعادة تركيزه، مؤكداً: "كنت بحاجة للجلوس وحدي.. أردت أن أرتب أفكاري"، غير أن النادي لم يمرر الأمر بسهولة، فتمت معاقبته بغرامة خصم راتب أسبوع كامل.
جماهير غاضبة و"خيانة" في نظر البعض
ردود الفعل لم تتوقف عند الغرامة، وبعض من جماهير إيفرتون وصفت ما فعله الحارس بـ"الخيانة" واعتبرت أنه تخلى عن زملائه في لحظة حرجة.
وما زاد من حدة الانتقادات، أن صاحب الهدف الثاني لليدز، الشاب غاري سبيد، كان قد صرّح قبل تلك المباراة في البريميرليغ أنه مشجع متيم بإيفرتون منذ طفولته، وأنه كان يعتبر نيفيل ساوثهول أفضل حارس في إنجلترا وأكثرهم براعة.
ورغم هذه الواقعة الغريبة وما صاحبها من انتقادات، استمر ساوثهول مع إيفرتون أكثر من سبع سنوات إضافية، بل إنه أصبح لاحقا أحد أبرز رموز النادي وأكثر اللاعبين تتويجا بالألقاب في تاريخه، حيث خاض 751 مباراة بقميص "التوفيز"، متفوقاً بفارق 217 مباراة عن أقرب ملاحقيه برايان لابون.
وبلغ أوج تألقه بعد خمس سنوات من الواقعة، عندما قدّم مباراة أسطورية في نهائي كأس إنجلترا 1995 ضد مانشستر يونايتد بقيادة أليكس فيرغسون، ليقود فريقه للفوز بهدف نظيف وحصد آخر لقب كبير في تاريخ النادي حتى اليوم.