ركلات الجزاء.. كيف تحولت من فكرة مرفوضة إلى قانون عالمي؟

بواسطة مجهول (لم يتم التحقق) , 6 أغسطس 2025

لم يكن الطريق إلى اعتماد ركلات الجزاء في كرة القدم أمراً سهلاً، بل سلك درباً طويلاً من الرفض والسخرية قبل أن تصبح اليوم واحدة من أبرز ملامح اللعبة وأشد لحظاتها إثارة.

وسواء أحبها البعض أو انتقدها آخرون، تعد لحظة احتساب ركلة جزاء واحدة من أكثر اللحظات توتراً وإثارة في كرة القدم، لحظة يتوقف فيها الزمن، وتختبر فيها الأعصاب، ويفصل فيها بين الفرح والحزن بكرة واحدة.

فمن فكرة وُصفت يوماً بـ"الإهانة" لأخلاقيات الرياضة، إلى قاعدة لا غنى عنها في البطولات المحلية والدولية، وقد تطورت ركلة الجزاء لتجسد روح العدالة الكروية داخل المستطيل الأخضر، وتحولت إلى ركن أصيل من قوانين كرة القدم.

من إهانة للعبة إلى نقطة تحول

في بدايات كرة القدم، لم يكن هناك تصور واضح لكيفية معاقبة المخالفات المتعمدة داخل المناطق القريبة من المرمى، كانت الفكرة السائدة آنذاك أن "السادة لا يغشون"، وهي العبارة التي استخدمها مسؤولو الاتحاد الإنجليزي رفضاً لفكرة ركلات الجزاء عند طرحها للمرة الأولى، كانوا يرون أن مجرد اقتراح مثل هذا القانون يعد تشكيكًا في شرف اللاعبين، الذين -من وجهة نظرهم- لا يرتكبون مخالفات عمداً.

لكن تلك النظرة المثالية اصطدمت بالواقع سريعاً، ففي ربع نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين ستوك سيتي ونوتس كاونتي، منع أحد مدافعي كاونتي هدفاً مؤكداً بلمسة يد متعمدة على خط المرمى، دون أن يمتلك الحكم وسيلة قانونية لمعاقبته، هذه الواقعة فجرت الجدل، وأعادت فتح النقاش حول ضرورة استحداث إجراء رادع لحماية نزاهة اللعبة.

ركلات الجزاء ولدت من رحم الرغبي والرفض الإنجليزي

رغم أن ركلات الجزاء تعد اليوم واحدة من أكثر عناصر اللعبة إثارة للجدل والتشويق، لكن جذورها تمتد خارج حدود كرة القدم، وتحديداً إلى رياضة الرغبي، حيث ظهرت عبارة "ركلة جزاء" لأول مرة في تقارير مباريات تعود إلى عام 1888، منها حالة شهيرة حصل فيها فريق ديوزبري على ركلة أمام المرمى.

أما داخل كرة القدم، فقد بدأت محاولات استحداث ركلة مشابهة في إنجلترا، حين اقترح اتحاد شيفيلد المحلي عام 1879 منح "هدف جزائي" عند ارتكاب مخالفة قريبة من المرمى، لكنها لم تعتمد رسمياً، ثم جاء الاقتراح الحاسم في 1890 من الأيرلندي ويليام ماك-كروم، الذي عرض فكرة الركلة العقابية على الاتحاد الأيرلندي، ليتم تحويلها لاحقاً إلى المجلس الدولي للعبة (IFAB).

وهنا تجدد الرفض الإنجليزي، إذ وصف الاتحاد المحلي الاقتراح بأنه "إهانة لأخلاقيات اللعبة"، بينما سخرت الصحف من الفكرة واعتبرتها بمثابة "حكم إعدام على كرة القدم"، لكن حادثة ستوك سيتي ضد نوتس كاونتي دفعت المجلس للموافقة على الاقتراح، لتعتمد رسمياً ركلات الجزاء في يونيو/ حزيران 1891، وتنفذ أول ركلة جزاء في التاريخ خلال سبتمبر/ أيلول من نفس العام.

بين المبادئ وواقع المباريات

من أطرف المواقف في تاريخ ركلات الجزاء ما حدث مع فريق كورينثيان الإنجليزي، الذي كان يعتبر نموذجاً مثالياً للّعب النظيف، فقد كان لاعبو الفريق يرفضون تنفيذ أي ركلة جزاء تحتسب لصالحهم، انطلاقاً من مبدئهم بأن "الرجل النبيل لا يتعمد ارتكاب خطأ"، حتى وإن كان الخصم هو من أخطأ بحقهم.

وفي أحيان أخرى، كان حارسهم يتعمد عدم التصدي لركلات الجزاء التي تنفذ ضد فريقه، إيمانًا بعدالة المنافس! ولكن هذه الرومانسية لم تستمر طويلاً أمام تطور اللعبة وازدياد المنافسة واحتراف اللاعبين.

تطور القاعدة.. من خط الـ12 ياردة إلى منطقة الـ18

عندما طُبّقت قاعدة ركلات الجزاء لأول مرة، لم تكن هناك "نقطة ثابتة" للتنفيذ، بل كانت تُلعب من أي موضع على خط يبعد 12 ياردة من المرمى. ولم يعتمد الشكل الحالي لنقطة الجزاء إلا عام 1902، عندما تم تثبيتها في منتصف المسافة داخل منطقة الجزاء، التي بدورها لم تكن محددة كما نعرفها اليوم، إذ امتدت في بدايتها بعرض الملعب الكامل، قبل أن يعتمد الشكل المستطيل الحالي بمساحة 18 ياردة في موسم 1901-1902.

تطورت القوانين لاحقاً لتقيد حركة حراس المرمى، إذ كان مسموحاً لهم سابقاً بالتقدم 6 ياردات عند تنفيذ الركلة، لكن منذ عام 1905 أصبحوا ملزمين بالبقاء على خط المرمى، ما صعّب عليهم المهمة ومنح الأفضلية للمهاجمين.

وفي موسم 1937-38، أضيف القوس النصف دائري (D) أعلى منطقة الجزاء، بهدف فرض مسافة قانونية قدرها 10 ياردات بين اللاعبين ونقطة التنفيذ، وضمان سير الركلة دون تدخل.

ركلات الجزاء في زمن الفيديو والتكنولوجيا

مع تطور تقنيات التحكيم، خاصة تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR)، ازدادت أهمية ركلات الجزاء وأصبحت تُحتسب بدقة متناهية، وبات اللاعبون أكثر حذراً داخل منطقة الجزاء، والحكام أكثر جرأة في اتخاذ القرار بعد مراجعة اللقطات المصورة.

وقد تغيرت إستراتيجيات تنفيذ ركلات الجزاء كذلك، إذ لم يعد التنفيذ محصوراً في القوة أو الدقة فقط، بل دخلت الجوانب النفسية والتمويهية على الخط، وصار اللاعب يدرس تحركات الحارس، والحارس يراقب تاريخ اللاعب وسجله في التسديد، ما جعل من ركلة الجزاء معركة ذهنية قائمة بذاتها.

Image
ميلر حارس مرمى سيلتيك يفشل في التصدي لركلة جزاء نفذها ويليام واديل لاعب رينجرز في مباراة يعود تاريخها إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول 1949 (Getty)
Live updates
Off
Author Name
Opinion article
Off
Show in tags
Off
Caption
أرشيفية- لقطة من مباراة سيلتيك ورينجرز في 15 أكتوبر 1949: ويليام واديل يسجل ركلة جزاء فشل الحارس ميلر في التصدي لها (Getty)
Show Video
Off