مع انطلاق منافسات موسم 2025-2026 في الدوري التونسي للمحترفين، عاد الجدل ليُخيم على ملف أجور المدربين، بعدما كشفت تقارير إعلامية عن تفاوتات مهولة في الرواتب بين الأندية، في مشهد يعكس هشاشة البنية الاقتصادية للبطولة وصعوبة تحقيق التوازن بين الطموحات الرياضية والقدرات المالية المحدودة.
انطلق الدوري التونسي يوم 9 أغسطس بمشاركة 16 نادياً، للعام الثاني على التوالي بصيغة المجموعة الواحدة، لكن الأيام الأولى من السباق لم تمر دون تغييرات فنية، إذ سارعت بعض الأندية إلى تغيير أجهزتها الفنية، وهو ما حدث مع النادي البنزرتي الذي أنهى علاقته بسفيان الحيدوسي وعيّن شكري البجاوي، وكذلك الأولمبي الباجي الذي أقال وجدي بوعزي وعوّضه بإسكندر القصري.
الكنزاري يتصدر… والعرعوري في القاع
في مشهد يؤكد حجم التفاوت المالي، يتقاضى ماهر الكنزاري، مدرب الترجي الرياضي، أعلى راتب في الدوري، حيث يتحصل شهرياً على ما يقرب من 80 ألف دينار تونسي، أي حوالي 27 ألف دولار.
ويأتي خلفه فوزي البنزرتي مدرب النادي الإفريقي، براتب يبلغ نحو 50 ألف دينار، أي ما يعادل 17 ألف دولار شهرياً، في واحد من أكبر الرواتب التي يتقاضاها مدرب محلي في تاريخ الدوري.
أما مدرب النادي الصفاقسي، محمد الكوكي، فيأتي في المرتبة الثالثة، براتب يناهز 12 ألف دولار شهرياً، متقدماً على عدد من المدربين البارزين في الدوري التونسي الممتاز، من بينهم شكري البجاوي مدرب النادي البنزرتي، ومنتصر الوحيشي مدرب الاتحاد المنستيري، وشكري الخطوي مدرب الملعب التونسي، حيث تتراوح أجور هؤلاء الثلاثة بين 18 و20 ألف دينار تونسي، أي ما يعادل تقريباً 6 إلى 6.6 آلاف دولار.
في الطبقة الوسطى، نجد مدربين يتقاضون ما بين 4 و6 آلاف دولار شهرياً، مثل أنيس بوجلبان مدرب ترجي جرجيس، وعماد بن يونس مدرب نجم المتلوي، فيما يحصل طارق جراية مدرب مستقبل قابس على راتب يقدر بنحو 12 ألف دينار تونسي، أي حوالي 4 آلاف دولار.
أما غازي الغرايري مدرب الشبيبة القيروانية، فراتبه يناهز 10 آلاف دينار، أي حوالي 3400 دولار شهرياً، بينما يتقاضى نضال الخياري، مدرب اتحاد بن قردان، ما يزيد قليلاً عن 2300 دولار، وهو ما يجعله من بين المدربين الأقل أجراً في الدوري التونسي الممتاز، إلى جانب محمد التلمساني مدرب مستقبل سليمان، الذي يتحصل على ما يقارب 6 آلاف دينار، أي قرابة 2000 دولار.
ويُعتبر محمد العرعوري مدرب شبيبة العمران، صاحب الراتب الأدنى في الدوري التونسي هذا الموسم، إذ لا تتجاوز أتعابه الشهرية 3 آلاف دينار تونسي، أي ما يعادل تقريباً ألف دولار فقط، وهو رقم أثار الكثير من الجدل في الأوساط الرياضية، نظراً لكونه لا يتماشى مع متطلبات وضغوط العمل الفني في دوري المحترفين.
أزمة مالية تُرخي بظلالها في الدوري التونسي
تعاني معظم الأندية التونسية من ضغوط مالية خانقة، ناجمة عن تراجع عائدات الجماهير بسبب القيود المفروضة على الحضور في الملاعب، إلى جانب عزوف المستثمرين عن دعم الفرق، ما يدفع العديد منها إلى البحث عن مدربين بأجور متدنية أو الاستنجاد بأبناء النادي من مدربي الفئات السنية.
وتُعمّق مسألة الشرط الجزائي في العقود من هذه الأزمة، إذ تتخوّف إدارات الأندية من تكلفة فسخ العقود، التي كثيراً ما تكون باهظة وتؤدي إلى تبعات قانونية ومالية ثقيلة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمدرب لم يُكمل سوى أسابيع قليلة في منصبه.
بين التناقض والواقع
تعكس هذه الفوارق الكبيرة في الرواتب غياب سياسة موحّدة لإدارة الموارد البشرية والفنية داخل أندية الدوري التونسي.
في وقت يُنفق فيه الترجي الرياضي والنادي الإفريقي والنجم الساحلي مبالغ ضخمة على مدربيهم، تكافح أندية أخرى من أجل سداد رواتب متواضعة لا تتجاوز في بعض الحالات الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة لمدرب محترف.
هذا التناقض الصارخ يطرح أكثر من سؤال حول مدى قدرة الجامعة التونسية لكرة القدم على ضبط منظومة الأجور، وربما إدراج معايير مالية أكثر صرامة، على غرار ما تعتمده بعض الدوريات الأوروبية، لحماية الأندية من الإفلاس وحفظ التوازن التنافسي.