أغلق برشلونة الإسباني ملف موسمه القاري، بعد توقف طموحاته عند عقبة المربع الذهبي في مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ورغم الانسحاب المر شكلًا، فإن المضمون يحمل حالة من القناعة بين متابعي الكرة الأوروبية، بأن النادي الكتالوني عاد إلى واجهة المنافسة القارية من الباب الكبير، عطفًا على ما أظهره من مستويات مبهرة، أثارت إعجاب محبي اللعبة على مختلف انتماءاتهم.
ورغم نهاية مسيرة العملاق الإسباني الرائعة في المسابقة هذا الموسم وضياع حلم الثلاثية التاريخية، على يدي إنتر ميلان الإيطالي في موقعتين خالدتين، انتهتا على وقع تفوق سفير الـ"كالتشيو" في مجموع المباراتين (7-6، 3-3 ذهابًا في المونجويك وإيابًا 4-3 في جيوسيبي مياتزا)، غير أن الكثيرين أجمعوا على استعادة "البلوغرانا" لجزء كبير من هيبته وصورته التي تلطخت في المواسم الأخيرة، بفعل عدد من المشاركات المتواضعة والسقطات التاريخية.
الموقعتان أمام الـ"نيراتزوري" الأوربيتان، أفرزتا عددًا من الاستنتاجات المهمة التي تتعلق بتشكيلة المدرب الألماني هانز فليك، والتي تصب أغلبها في قناعة أن برشلونة عائد بقوة للمنافسة على "الكأس ذات الأذنين" في المواسم المقبلة، رغم فشله في معانقة اللقب في الموسم الحالي.
برشلونة يستعيد هيبته الأوروبية الضائعة
غاب برشلونة في آخر 6 سنوات عن محطة نصف النهائي في أكبر بطولات الأندية في العالم، حيث كانت المرة الأخيرة في 2019، عندما ودع بطريقة درامية على يد ليفربول الإنجليزي، الذي أكمل طريقه نحو اللقب بفوزه في النهائي على مواطنه توتنهام هوتسبر.
وبعد فترة ليست بالقصيرة صاحبها عديد من الإخفاقات في البطولة، جاء فليك لينتشل الفريق من هذه "الغيبوبة" ويعيده مرة أخرى للواجهة، بل وكاد يتأهل بالفريق للنهائي الغائب منذ 10 سنوات.
وقدم برشلونة على مدار مشواره في دوري الأبطال ما يستحق عليه الثناء، رغم مرارة الخروج، بداية من مرحلة الدوري التي أنهاها في المركز الثاني، مرورًا بنتائجه القوية في المراحل الإقصائية التي أطاح فيها حتى نصف النهائي ببنفيكا البرتغالي، في دور الـ16، ثم بوروسيا دورتموند الألماني في ربع النهائي.
لامين يامال.. النجم الجديد الذي سيقود الفريق نحو المجد
رغم مرارة الإقصاء الأوروبي وضياع حلم الثلاثية (الليغا ودوري الأبطال وكأس الملك)، إلا أن النقطة المضيئة في ليلة خروج الـ"بلوغرانا"، كانت الموهبة الصاعدة بقوة، لامين يامال، الذي كان بمثابة "الكابوس" لدفاع "النيراتزوري" بإمكاناته الفردية الرائعة وتسديداته التي لا تخطئ.
وكان اللاعب الذي لم يتخط عمره الـ17 قريبًا في أكثر من مناسبة من هز الشباك، إلا أنه اصطدم في هذه الليلة "تحديدًا" بتألق استثنائي من الحارس السويسري المخضرم يان سومر، الذي أبعد أكثر من تسديدة خطيرة، آخرها في اللحظات الأخيرة من المباراة عندما كان بطل إيطاليا متقدمًا في النتيجة (4-3)، وكانت كفيلة بإعادة الأمور لنقطة الصفر.
ووفقا لإحصائيات موقع (ر Pro) المتخصص، كان لامين هو العلامة الفارقة في صفوف الفريقين، حيث نجح في مباراة الإياب في تحقيق رقم قياسي في نصف النهائي في آخر 10 نسخ، في عدد المراوغات (29 مرة)، منها 19 ناجحة.
قاعدة صلبة وجيل واعد
ويعد فريق برشلونة الحالي هو الرابع في قائمة الفرق الأصغر سنًّا في النسخة الحالية للبطولة، حيث بلغ المعدل العمري لهذا الفريق 23.7 عامًا، وذلك وفقا لإحصائيات نفس الموقع.
ولا شك أن المزيج بين الشباب مثل باو كوبارسي ولامين يامال وبيدري، ومنتصف العمر مثل البرازيلي رافينيا والفرنسي جولي كونديه، والمخضرمين وعلى رأسهم البولندي روبرت ليفاندوفسكي، وإينيغو مارتينيز، خرج في أفضل صورة بقيادة رائعة من فليك، الذي أكد عقب الخروج أن الفريق سيحاول مجددًا.
تفاصيل صغيرة وثمن باهظ
يقول المثل الكروي الدارج إن النجاح في دوري الأبطال "يحسم بالتفاصيل الصغيرة"، وهو ما ينطبق تحديدًا على الحارس السويسري يان سومر، الذي نجح بفضل تصدياته الرائعة (8 في الذهاب) و (7 في الإياب)، في قيادة فريق نحو النهائي الثاني بعد موسم 2023.
أمر آخر يعد خارجًا عن سيطرة لاعبي "البارسا"، وهي الأمور التحكيمية التي أثارت الجدل، وتسببت في اعتراض اللاعبين على الحكم البولندي شيمون مارشينياك، لاسيما وأن كل الحالات التحكيمية التي كان مشكوكًا فيها، كانت دائمًا لصالح أصحاب الأرض.
ورغم هذا، كانت بطاقة التأهل للنهائي بين أقدام لاعبي برشلونة، حيث سجل رافينيا هدف التأهل المحتمل، لفريقه في الدقيقة (88)، ولكن لم يحسن الفريق الجانب الدفاعي في لقطة الهدف التعادل الثالث لكتيبة "الأفاعي" بعدها بدقائق بقدم المدافع فرانشيسكو أتشيربي، وفرض اللجوء لشوطين إضافيين، شهدا تسجيل بطل إيطاليا هدف الفوز والتأهل عن طريق دافيدي فراتيزي.
حماس هجومي وفوضى دفاعية
وأنهى برشلونة مشواره في هذه النسخة من دوري الأبطال في صدارة الأكثر تهديفًا (43 هدفًا في 16 مباراة)، وهي الأرقام التي تتناقض تمامًا مع عدد الأهداف التي استقبلتها شباكه (24 هدفًا)، وهو الرقم الأسوأ في تاريخ الفريق منذ نسخة (2000-2001) التي استقبل فيها 23 هدفًا.
وتظهر هذه الأرقام أن الفريق الكتالوني، رغم هجومه الرائع، إلا أنه يعاني دفاعيًّا، وهي نقطة الضعف التي استغلها فريق متمرس وشرس مثل إنتر، يضاف إلى هذا بعض القرارات الفردية الخاطئة للمدافعين، ومن خلفهم الحارس البولندي فويتشيك تشيزني، والتي حرمت الجميع من الفريق الأكثر إمتاعًا في القارة العجوز.