في وقتٍ يعاني فيه الزمالك من فراغ فني واضح بعد رحيل أحمد سيد زيزو، أحد أبرز صناع اللعب في الكرة المصرية، يتجه النادي لتعويض هذا النقص بعدة طرق، أبرزها التعاقد مع اللاعب الفلسطيني آدم كايد القادم من تجارب احترافية في هولندا والنرويج والسويد، في خطوة تعكس رغبة النادي في بناء جيل جديد بقدرات مختلفة وهوية كروية أكثر تطوراً.
آدم كايد ليس اسماً لامعاً في وسائل الإعلام، لكنه قد يكون القطعة المناسبة لتشكيلة الزمالك، خاصةً أن أسلوبه يتماشى مع منظومة تعتمد على المرونة والضغط العالي واللعب السريع، فقد نشأ في بيئة كروية منظمة في السويد، ويمتلك خبرة أوروبية وروحاً قتالية تعزز من قيمته داخل الملعب.
ورغم صعوبة تعويضه لـ"زيزو"، الذي صنع 71 هدفاً في 260 مباراة مع الزمالك، فإن كايد أظهر مؤشرات واعدة، خاصة مع منتخب فلسطين، حين صنع هدفين حاسمين أمام العراق، ما يؤكد امتلاكه أدوات التطور وبصمة هجومية تستحق المتابعة.
في هذا التقرير من winwin نرصد أبرز ملامح آدم كايد الفنية، وخلفيته في أوروبا، وننقل بعض التصريحات التي تعكس تطوره ووعيه التكتيكي، مع محاولة لتقدير ما إذا كان قادراً فعلاً على تعويض ميزة زيزو في الزمالك.
رحلة التطور.. من هيلسينغبورغ إلى ستابيك
بدأ آدم كايد رحلته الكروية في أكاديمية هيلسينغبورغ السويدي، حيث انضم للنادي منذ العاشرة من عمره، وترقى عبر الفئات السنية حتى الفريق الأول عام 2021، رغم موهبته، لم يحصل على دقائق كافية في البداية بسبب المنافسة الشديدة وصغر سنه.
لتسريع تطوره، أعير كايد إلى ستابيك النرويجي صيف 2022، حيث أظهر مرونة تكتيكية ولعب في أكثر من مركز على الرواقين، مع تحسن في التمركز والتحركات بدون كرة، ما جذب أنظار أندية أخرى.
وسبق أن قال المدير الرياضي لهيلسينغبورغ، أندرياس غرانكفيست، في تصريحات لموقع (FotbollDirekt) عن إعارته: "آدم معنا منذ كان في العاشرة، وأحياناً يسرع تغيير البيئة وتيرة تطوره، نعتقد أن هذا حل مناسب لكلا الطرفين"؛ كلمات المدير الرياضي، تكشف اللاعب بحاجة إلى تحديات جديدة تخرجه من منطقة الراحة، وتمنحه فرصة لاستكشاف قدراته في سياقات مختلفة، وهو ما قد يتكرر اليوم في الزمالك، حيث تبدو الأجواء مواتية للاعب يمتلك خلفية تكتيكية أوروبية.
بعد الإعارة، عاد كايد إلى السويد ثم انتقل إلى نادي بريدا الهولندي في منتصف موسم 2022-23، حيث واصل نضجه في دوري يتميز بالنسق السريع والضغط العالي من الخصوم، وأثبت نفسه كجناح نشيط قادر على صناعة الفارق واتخاذ قرارات حاسمة في الثلث الهجومي الأخير.
آدم كايد.. ذكي تكتيكياً وقابلٌ للتطور
من أبرز المميزات التي يجمع عليها مدربوه السابقون أن آدم كايد يمتلك ذكاءً كروياً عالياً، وقد وصفه المدرب السويدي يورغن لينارتسون بأنه لاعب قابل للتدريب (Coachable)، أي أنه يستوعب التعليمات سريعاً ويظهر مرونة كبيرة في تنفيذها داخل الملعب.
قال آدم كايد نفسه في تصريح سابق لصحيفة (fotbollskanalen) السويدية: "ألعب بشكل أساسي كجناح هجومي، لكنني قادر أيضاً على اللعب كرقم 10 وصانع ألعاب، وأحب أن أدخل إلى العمق لخلق الفرص وصناعة الأهداف. التنقل بين هذه المراكز يمنحني مرونة تكتيكية".
وأضاف: "لا أريد القول إن هذا هو مركزي الأفضل، لكني أحب دور صانع الألعاب، فأنا أعتبر نفسي مهاجماً متأخراً، خاصة خلف أنطوني، لأنني أشعر بالراحة في هذا المركز معه، نحن نفهم بعضنا جيداً، كما أنني أجيد اللعب كجناح أيسر وأحب ذلك أيضاً، لكن الأمر يعتمد على المباراة، ففي بعض المباريات يكون من الأسهل أن ألعب كجناح أيسر وفي أخرى كصانع ألعاب".
ورغم أن كايد يُصنّف كجناح هجومي، كشف موسمه الأخير مع بريدا عن جانب دفاعي لافت، تمثل في التزامه العالي وقدرته على تنفيذ الضغط العكسي بكفاءة، فقد بلغت نسبة استعادة الكرات 81%، وتفوق في المواجهات الدفاعية بنسبة 79%، مع متوسط 3.2 تدخلات ناجحة في المباراة.
في المقابل، كانت أرقامه الهجومية محدودة، إذ سجل هدفاً واحداً دون أي تمريرة حاسمة. لكنه لم يكن لاعباً أساسياً، إذ شارك في 461 دقيقة فقط، ما يعادل نحو 5 مباريات كاملة، ورغم ذلك، أظهر خلال تلك الدقائق بوادر فنية واعدة.
من جانبه، وصف المدرب السويدي يورغن لينارتسون كايد بأنه شخص متواضع لديه قدرة عالية على فهم التعليمات واستيعابها: "أفضل ما في آدم أنه موهبة شابة قابلة للتدريب. إذا أخطأ، يقوم زميل أو مدرب بتصحيحه، وفي المرة التالية يؤدي الأمر بشكل صحيح. لديه ذكاء كروي وفهم للتعليمات على مستوى عالٍ، وهذا ما يمكنه من التطور، على عكس اللاعب الذي لا يقبل التوجيه ويكرر نفس الأخطاء".
وقد يشكل الزمالك بيئة مناسبة لتطوير هذا الجانب الهجومي للاعب الفلسطيني، في ظل ما يملكه اللاعب من التزام تكتيكي وروح قتالية، وهي خصائص يحتاجها الفريق الساعي لاستعادة هويته.
من فلسطين إلى الزمالك.. هل يعوّض آدم كايد ميزة زيزو؟
في أمسيةٍ لا تنسى على ملعب "عمان الدولي"، كتب آدم كايد اسمه بأحرف بارزة في ذاكرة الكرة الفلسطينية، حين أسهم في انتصار منتخب بلاده على العراق (2-1) يوم 25 مارس/آذار 2025 ضمن تصفيات كأس العالم، دخل كايد بديلاً في الدقيقة (59)، لكنه لم يكن مجرد ورقة تكتيكية، بل تحول إلى بطل الحسم.
في الدقيقة (88)، قدم تمريرة حاسمة لوسام أبو علي جاء منها هدف التعادل، ثم عاد في الدقيقة (90+7) لينفذ ركلة ركنية مثالية، ارتقى لها عميد محاجنة وسجل منها هدف الفوز القاتل؛ ووفقاً لـ(sofaScore)، نال كايد تقييما هو الأعلى في المباراة بـ(8.2)، بعدما قدم تمريرتين حاسمتين في أقل من 10 دقائق فقط!
المفارقة أن هذا الأداء لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة ثقة المدرب إيهاب أبو جزر، الذي كلفه بتسديد الركلات الثابتة قبل المباراة، ويقول كايد عن تلك اللحظة: "المدرب طلب مني إرسال الركلة الركنية، ثم أرسلت الكرة وجاء منها هدف التعادل، وبعدها سألت الحكم عن الوقت المتبقي وأدركت أنهها الثواني الأخيرة، فأرسلت كرة بإتقان، وجاء هدف الفوز كانت لحظة لا تنسى".
ذلك اللقاء لم يكن مجرد ثلاث نقاط لفلسطين، بل كشف عن شخصية لاعب قادر على اتخاذ القرار الحاسم تحت الضغط، وهو تحديداً ما افتقده الزمالك في عدة مباريات بعد رحيل أحمد سيد زيزو.
ليس زيزو.. لكن الملامح موجودة
لم يكن زيزو مجرد لاعب في الزمالك، بل ماكينة تمريرات حاسمة ومصدراً دائماً للخطورة، إذ صنع 71 هدفاً بين عامي 2019 و2025، وكان يجيد التحرك بين الخطوط وتوزيع الكرات من مواقع متقدمة دون أن يصنف كصانع ألعاب تقليدي.
آدم كايد لا يعد نسخة طبق الأصل من زيزو، لكنه يملك ملامح تشبه تطوره في بداياته، فهو جناح هجومي يتحرك بذكاء داخل الملعب، يجيد لعب الركلات الثابتة، ويميل إلى الدخول للعمق بدلاً من البقاء على الخط، ومع وجود جهاز فني يمنحه الثقة ويعيد توجيه إمكاناته، قد ينفجر كايد فنياً، ويقدم للزمالك لاعباً مختلفاً.