كان يوم الثاني والعشرين من يونيو/حزيران خلال الـ34 عاما، مصدرا للفخر والفرح في الأرجنتين، التي تحتفل سنويا بذكرى "هدف القرن" الذي سجله دييغو مارادونا في شباك إنجلترا خلال مباراة الدور ربع النهائي من بطولة نهائيات كأس العالم المكسيك 1986.
ولكن هذا العام، تأتي الذكرى الـ35 بغياب صاحبها، الذي توفي في نوفمبر من العام 2020، ليصبح الهدف التاريخي إحياء لأحزان الأرجنتينيين، الذين طالما تغنوا بهدف مارادونا وما فعله أمام إنجلترا التي كانت ولا تزال أكثر من مجرد منافس في الملعب وخارجه.
ثقة مارادونا بالفوز
على استاد "آزتيكا" الشهير الذي شهد فوز البرازيل في نهائي 1970، كانت الأجواء حارة للغاية، ولذلك كان الاتحاد الأرجنتيني محتاطا لهذا الأمر. فقد قام بتصنيع القمصان المخططة بالأزرق الفاتح والأبيض من قماش الأرتيكس، وهو قماش خفيف الوزن به ثقوب صغيرة لزيادة التهوية. لكن لم يكن في حسبانهم أنه سيكون عليهم تغيير القميص للون الاحتياطي عند المواجهات الإقصائية.
أمام الجارة أوروغواي في دور الـ16، كان على الأرجنتيني استخدام القميص الثاني باللون الأزرق الداكن، والذي كان مصنوعا من القطن، وعانى الفريق قبل انتزاع الفوز 1-0، وشاءت الصدفة أن يتكرر ارتداء اللون الاحتياطي أمام إنجلترا في ربع النهائي.
وهنا أدرك المدرب كارلوس بيلاردو أنه بحاجة إلى حل عاجل فأرسل روبن موسكيلا "أحد أعضاء طاقمه"، إلى شوارع مكسيكو سيتي بحثاً عن قميص مناسب لمثل تلك الظروف المناخية الحارة. وبالفعل، عاد موسكيلا بقميصين مختلفين اقتناهما من متجر في شارع خلفي للفندق.
وبينما كانا يتداولان بينهما، دخل مارادونا وقال مشيرًا إلى أحد القميصين: "إنه جميل حقاً. سنهزم إنجلترا بهذا القميص". ليتم وضع شعار الاتحاد الأرجنتيني على عجل، ومعه أرقام اللاعبين التي تُشبه أرقام قُمصان لاعبي كرة القدم الأمريكية.
العرض الأفضل في التاريخ
وصف هدف مارادونا ومباراته أمام إنجلترا تحديدا، بالعرض الأفضل على الإطلاق في تاريخ نهائيات كأس العالم. لكن قبل أربع دقائق فقط، نجح دييغو في مغالطة الحكام وسجل هدفا باليد، تحت رؤية ملايين المشاهدين في العالم، كانت النقاشات تدور في كل مكان، قبل أن يتوقف الحديث فجأة.
الدقيقة 55 وصوت المعلق فيكتور هوغو موراليس يصف ما يراه على أرض الملعب: "الكرة في حوزة مارادونا الآن.. يقترب منه اثنان. مارادونا يدحرج قدمه فوق الكرة ويسير نحو اليمين، عبقري كرة القدم العالمية. يتخطى الثالث ويبحث عن بوروتشاغا. مارادونا يمر ويستمر! عبقري! عبقري! عبقري! لا يزال مستمراً ... جوووول! معذرة، تنتابني رغبة شديدة في البكاء! يا إلهي! تحيا كرة القدم! ياله من هدف! عملية فردية لا تنسى من مارادونا. أعظم هدف فردي في كل العصور. من أي كوكب أتيت، يا هذا؟".
لقد تسلم مارادونا الكرة على بعد 60 متراً من المرمى في طريقه لتسجيل "هدف القرن" في غضون عشر ثوانٍ فقط. انطلق بأقصى سرعة وهو يتناقلها بين القدمين مزيحاً من طريقه بيتر بيردسلي وبيتر ريد وتيري بوتشر وتيري فينويك وبيتر شيلتون، ثم بوتشر مرة أخرى، قبل التسديد في شباك فارغة.
عنونت ليكيب الفرنسية في اليوم التالي تقريرها لتلك المباراة بعبارة "نصف ملاك، نصف شيطان". كانت العبارة الثانية تتضمن إشارة إلى الهدف الذي سجّله دييغو مارادونا بيده، أحد أشهر الأهداف في تاريخ كرة القدم، بينما تنطوي الأولى على إشارة صريحة لذلك الهدف الخرافي الذي ما زالت أصداؤه تتردد إلى الآن في ملعب أزتيكا الشهير.
فازت الأرجنتين 2-1 في المباراة، ومضت نحو نصف النهائي، الذي تعملق فيه دييغو وسجل هدفين رائعين في شباك بلجيكا، ثم واصل مارادونا قيادة فريقه في النهائي الكبير أمام ألمانيا، فمرر كرة حاسمة منحت بورتشاغا، الفرصة لتسجيل هدف الفوز 3-2 ويرفع دييغو الكأس الذهبية في مشهد خالد لا ينسى.
أنهى مارادونا البطولة بتسجيل خمسة أهداف، وخمس تمريرات منقطعة النظير، ليفوز عن جدارة واستحقاق، وبإجماع غير مسبوق، بالكرة الذهبية الممنوحة لأفضل لاعب في البطولة.