بدأ العد التنازلي لانطلاق ضربة بداية كأس العالم بقطر.. قطر وما أدراك قطر، قاومت كل الأعاصير؛ الخفي منها والظاهر، وقاومت المؤامرات والتجاهل، وواصلت طريقها في صمت، لأن بعضهم لم يهضم فكرة استضافة دولة عربية إسلامية لبطولة في حجم كأس العالم.. فكسرت كل الحواجز، واقتلعت أنيابًا مسمومة، وصاحت بصوت مرتفع هز أركان العالم، برسالة "مرحبا بكم في قطر السلام والعروبة والتحدي".
لقد حان دورنا كعرب لنصنع التاريخ على أرض قطر، في فرصة فريدة، تشكل نافذة لشعوب العالم للتعرف عن قرب إلى قطر والمنطقة، وما يمكن للعرب أن ينجزوه، ويكسروا من خلاله قاعدة هيمنة أوروبا وأمريكا على محافل معينة في حجم كأس العالم.
سقتُ هذه المقدمة للحديث عن الجماهير المغربية التي هي الأخرى فخورة بقطر وإنجازاتها، أنا لا أرمي ورودًا، لكن واقع الحال لا يمكن لأي أحد أن يغيره، فآثار قطر تدل عليها، ومن يقول العكس، فهو حاقد وجاحد.. فالجماهير المغربية هي الأخرى تستعد لتؤثث لهذا المحفل العالمي في دولة عربية، فما هي العدة التي أعدها وليد الركراكي؟
بعد أن حظي الركراكي بإجماع مغربي على تعيينه مدربًا للنخبة الوطنية، ها هو يجد نفسه مكتوف الأيدي أمام مشكلتين رئيسيتين في إطار إعداده النخبة الوطنية للمشاركة في النهائيات.
المشكلة الأولى التي تواجه الناخب الوطني تتجلى في غياب الفعالية والديناميكية الهجومية، والثانية تتجلى في إصابة مجموعة من اللاعبين قبل المونديال، الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة بلا إجابة؛ من الفريق الذي سيتم اختياره؟ وما الأسلوب الذي سيعتمده؟ وهل ستكون هناك مفاجآت بالنسبة لبعض اللاعبين الذين سيعتمد عليهم للتقدم في المجموعة السادسة؟
وبخصوص غياب الفعالية الهجومية، فالمنتخب المغربي يعاني، منذ وقت طويل، غياب مهاجم فعال أمام المرمى، فالمهاجم يوسف النصيري يمر بمرحلة سيئة على وجه الخصوص، ويكافح لاستعادة حيويته الهجومية، الأمر الذي ولد ضغوطات من الجماهير لتوجيه الدعوة لحمد الله المتألق والقناص لتعزيز ترسانة الأسود الأطلسية.
ولعل الجرعات من الأكسجين جعلت المغاربة يتنفسون بعدها الصعداء، خلال اللقاءين الإعدادين ضد كل من تشيلي وباراغواي، وبدأنا نستشعر أن لاعبي المنتخب الوطني المغربي يتشربون أفكار الركراكي، هذا يعني أن المنتخب يطبق كل أفكاره بكل سهولة، دون الحاجة للوقوف لحظة للتفكير، وعادت الثقة والتفاؤل قبيل المشاركة في نهائيات كأس العالم.. لكن في غياب النجاعة الهجومية الواجب فك شيفرتها، تبقى المشكلة قائمة.
فكل المفاتيح بيد الركراكي لتوجيه الدعوة للاعبين الجاهزين، ولا مجال للعاطفة والمحاباة.. حتى لا يتعرض للانتقاد قبل حزم الحقائب والسفر للدوحة، وقد يفاجئ الجميع بعناصر وضع يده عليها، فهل ستكون قطع غيار لإعادة محرك الهجوم المغربي؟!
ازداد تألق اللاعبين المغاربة المحترفين في أوروبا، وثقافة المنتخب التكتيكية توسعت شكلًا ومضمونًا، وبدا بشكل ملاحظ تطور أدائه في اللقاءين الأخيرين، من حيث السيطرة على الكرة، والتحرك بدونها، وفي الاستلام والتسليم، والانتشار وسط الملعب وأطرافه بصورة نموذجية.
لكن قيمة "المنتخب"، وسمعة الكرة المغربية وتاريخها، تجاوزت نقطة الاحتفاء بجودة اللاعب على أهميتها، إلى ما الذي يمكن أن يصنعه ذلك من منجزات تضاف إلى ما سبق تحقيقه، ومنها ما فعله الأسود بتأهلهم للمونديال السابق في روسيا 2018 والمقبل في قطر 2022.
المنتخب في المونديال أو في أي مشاركة لن يلبي طلباتنا إلا إذا كانت مبنية على أسس صحيحة، تبدأ بمعرفة المنتخب قبل منافسيه، وتعترف بإمكانات المنافسين وحجم الفوارق، مع وضعها في ميزان التحليل والتوقع.
الجميع يفعل ذلك مع ناديه عند التراجع في المستوى أو الخسارة، لتجاوز هذا المطب، وكذلك يفعل مع أخطاء ارتكبها لاعب ناديه، بل ويدافع عنه ليحفظه من الإحباط أو نيل العقوبة، وبهذا يمكن للقاطرة أن تسير، كذلك نريد أن نفعل جميعنا مع المنتخب وعناصره.
القلق على ما يمكن أن يحدث للمنتخب في المونديال المقبل مشروع، وكذلك التطلع لأن تكون مشاركة جيدة، الاختلاف فيما هو توصيف الجيد وحدود التطلع، من ناحيتي، وهذه قناعة أرددها في مثل هذه الحالة، هو أن أبدأ المشاركة وأنهيها دون أن تُسجل في حقي نقاط سوداء شكلًا ومضمونًا.
تبقى النتائج التي يقيس عليها بعضهم نجاح وفشل أي مشاركة، وأرى أنها بالنسبة للمنتخب المغربي يمكن اعتمادها في البطولة القارية، أما الدولية ومنها "المونديال"، فإن المشاركة بحد ذاتها إنجاز، ولعب المباريات بشكل تنافسي يراعى فيه الفوارق مقبول، وعلى سبيل المثال، أنا أطالب بالفوز على كرواتيا وبلجيكا وكندا، وأتمنى الفوز عليهم جميعًا.
الكرة المغربية سبق أن رفعت رأس الكرة الأفريقية والعربية بوصولها لمرحلة الثمن بالمكسيك سنة 1986، وحان الوقت للمدرب الوطني أن تكون له الكلمة وبمعيته "كوموندوز" من لاعبين مجربين للمرور لأدوار متقدمة تشرف الكرة المغربية والأفريقية، لأن سقف مطالب الجماهير المغربية كبير، ولن يرضى أن يلعب دور الكومبراس.
أعتقد أن مهمة منتخبنا في كأس العالم القادمة لن تكون سهلة بالرغم من تفاؤلنا المفرط، خصوصًا إذا ما عرفنا أن منطقة الوسط والهجوم هي أفضل وأقوى خطوط منتخبات المجموعة، الأمر الذي يستوجب على منتخبنا مضاعفة الجهد، والعمل على ترابط كل المناطق، وتضييق المساحات في الملعب، وكل ما نتمناه أن يوفق الله منتخبنا في هذا المونديال وباقي المنتخبات العربية، وأن يواصل المغرب التألق وتقديم المستويات الفنية المطلوبة.