مُكاشفات رياضيّة "رمضانيّة"

بواسطة Salwa.Alkheir , 2 أبريل 2023

دأبت بعض برامج التلفزة "الرياضيّة العربيّة" على تخصيص فترات بَثِّها خلال أيّام شهر رمضان المُبارك للمُكاشفة بين نجوم الرياضة من مُختلف الأجيال، للحديث عن ماضيهم، وأبرز ما واجهوه من مواقفٍ طريفةٍ ومُبكيةٍ ولئيمةٍ أحياناً لم يجدوا فرصة للبوح بها إلا في شهر رمضان من خلال إلحاح مُقدّم البرنامج أو ما أُعِدَّ له من فقرات لا تُراعي حراجة توقيت المُصارحة، وتطمع في تحقيق أكبر نسبة من المُشاهدة عبر مواقع السوشيال ميديا.

يتكرَّر تخصيص هذا النوع من البرامج الرياضيّة خلال شهر رمضان المُبارك دون بقيّة أشهر السنة، بذريعة قضاء ساعة أو ساعتين خلال وقت السحور لفتح صفحات مُغلقة في حياة الرياضيين، وخاصة لاعبي كرة القدم الذين تستهوي أحاديثهم "الناديوية" مُشاهدة جماهيريّة واسعة بحُكم اللعبة الشعبيّة المليونيّة في كسب ولاء المشجّعين الفضوليين بنهمٍ شديد لمعرفة كُلّ شيء عن سنين سابقة رُبّما تمتدُّ إلى عقود سبعينيّة وثمانينيّة وتسعينيّة من القرن الماضي، والمجهولة لدى شرائح مختلفة من مُتابعي هذا النادي أو ذاك.

ما يهُمّنا هنا، أن بعض البرامج لا تُراعي أجواء الشهر، ويُحرِّض مُقدِّم البرنامج هذا النجم أو ذاك ليقول ما لا يودُّ كشفه أمام الناس عن إدارة ناديه، أو علاقته بمسؤولٍ فيه، أو ما تعرَّض لهُ من ظلمٍ في عهدِ مدرّبهِ، ويغوصُ في سردِ أمورٍ خاصّة عن سلوكِ زميلٍ لهُ في معسكرٍ خارجيّ تُعرِّضه للحَرَجِ أمامَ أهلهِ إذا ما كان مُهيناً أو مُدعاة لسُخريّة المشاهدين نحوه!

على الطرف الآخر، من برامج الرياضة في شهر رمضان، يخرجُ بعض الرياضيين العرب للحديث المُلتزِم حول القيمة السامية التي دفعتهم إلى ولوجِ عالم كرة القدم أو كرة السلّة أو رفع الأثقال أو احترافهم التدريب والإدارة، وما قاموا به من أعمال طيّبة ظلّتْ محطَّ استذكار جميع شهودها، وكذلك مواكبتهم شؤون فرقهم في رحلات معسكراتها الخارجيّة وإسهاماتهم في تعزيز روح التعاون والأخلاق الرياضيّة، وعدم فتحهم دفاتر قديمة تُعكِّر مزاج الجلسة الرمضانيّة وتؤدّي إلى قطع العلاقة الوديّة مع الأشخاصِ المعنيين، وهذا النوع من البرامج يحترم المُشاهد، ويُنمّي تقاليد إنسانيّة تحترم الانتماء للنادي، ولا تُعرِّض المُتحدِّث للمُساءَلة أو الجَلْد النقدي في مواقع التواصل الاجتماعي التي تترصد لأيّ زلّة لسان أو إيماءة وجه أو حتى الصمت إذا ما أرادَ ضيف البرنامج عدم الرد على اتهام جرّاء مُعايشتهِ موقف ما لا يرغبُ في الحديث عنه.

وصلتْ جُرأة بعض اللاعبين السابقين، أن أحَّدَهم تناول تفاصيل دقيقة عن كيفيّة مُراقبة مُهاجم خطير لمنتخب عربي في مباراة نهائي القارّة، وأنه استعدّ جيّداً عشيّة المباراة وفكّر بخُبث في كيفيّة الحدِّ من خطورتهِ، ولم يتردَّد في القول إنه استخدم سلاح ظُفره الطويل بإصبعه الأوسط في إيذاء المهاجم بقسوة في أثناء الاحتكاك به ومحاولة استخلاص الكرة منه، أو في غفلة من مُراقبة الحكم لحظة المُلازمة الفرديّة له! فأيّ أخلاق رياضيّة هذه تدعو النجم للمُجاهرة بمُحاربة المهاجم لمنتخب شقيق بسلوكٍ عدواني واضح لا يمُت بصلةٍ للإنسانيّة الحقّة التي تفرضُ عليه التعامل الحسن والتراحم مع الناس مهما كانت طبيعة منافسته لهم في الحياة.

لا ينتهي الأمر عند حدود الشراسة في كشف المستور وفتح صفحات الماضي المُغلقة، بل تعدّى ذلك إلى ظُلم بعض المُتحدّثين لمدربيهم أو لرؤساء اتحادات أو للاعبين اقتنصوا فرصة سحورهم الرياضي للنيل منهم وتشويه صورتهم أمام الناس -خاصّة الجيل الجديد- الذي لا يعرفُ أيّ شيء عن أحداث لم يولدوا خلال سنواتها أو لم يعوا أزمانها، ولا باستطاعة الشخص المُستهدف الدفاع عن نفسه كونه غير موجود في البرنامج، ولم تسنح له الفُرصة عبر الاتصال به لتصحيح المعلومة من باب حقّ الرد أو لوفاتهِ، وبذلك تغيب الحقيقة وتبقى الأكذوبة في ذاكرة المُتلقّي بمثابة "المعلومة الأصحّ" خِلافاً لحيثياتها!

الغريب أن هكذا برامج لا تخضع لرقابة مسؤولي القناة، ولا حتى سُلطة الإعلام العُليا في الدولة التي يجري بثّ حلقاتها على أراضيها، كما لا يوجد أي رد فعل رسمي من الاتحاد الرياضي الذي ينتمي إليه ضيف البرنامج إن كان لاعباً أو مدرّباً أو إداريّاً لتفنيد حقائق مُلزمة عليه أخلاقيّاً في الأقل، ويُثبّتها ببيانٍ شفّاف أمام الرأي العام، ويتّخذ الإجراء المُناسب بحقِّ المُتحدّث سوءً وزوراً وعِدواناً حتى لو كانت صفته "مُعتزل" يبقى مُرتبطاً بمؤسّسة رياضتهِ إلى آخر يوم في حياتهِ، ومن حقّها أن تحاسبهُ وتفتح صفحة مُساءَلة في ملفّه المحفوظ ليكون نموذجاً سيّئاً لمن يجرؤ مستقبلاً على تكريس العُنف والكراهيّة والتدليس والظُلم.

Image
صورة إرشيفية - الإعلام في الساحة الرياضية (Getty)
Opinion article
On
Source
Show in tags
Off

Tags

Caption
صورة أرشيفية- الإعلام والرياضة (Getty)
Show Video
Off