محمد صلاح.. منك لله!!

بواسطة Trainee1.winwin , 13 أكتوبر 2022

اندهشت كثيرًا، وأنا أسمع بوضوحٍ رجلًا عجوزًا يُردِّد جملةً واحدةً عدة مرات بوجهٍ عابسٍ: "منك لله .. يا محمد يا صلاح"، كان يُردِّدها وهو يصطحب في يده طفلًا صغيرًا لا يتجاوز عمره العشر سنوات، كان قد انتهي لتوه من أداء اختبارات الناشئين في أحد الأندية بالعاصمة المصرية القاهرة.

اقتربت من الرجل العجوز والطفل الذي كان يرتدي كالملايين من الأطفال والشباب قميصًا يحمل اسم محمد صلاح، أسطورة الكرة المصرية وفريق ليفربول الإنجليزي، وعلى استحياءٍ، سألت الرجل لماذا تردد جملة "منك لله يا محمد يا صلاح "؟!.

وبصوت خافت حانق أجابني : "آخِر 100 جنيه باقية معي من المعاش دفعتها ثمنًا لشراء استمارة أداء الاختبار، وفي الآخِر الواد اترفض زي كل مرة، الواد اختبر من 6 أندية حتى الآن، وكل مرة أدفع 100 جنيه بدون فايدة".

عدت لأسأله: "وما علاقة محمد صلاح بالأمر؟"، فنظر الرجل العجوز نظرةً تحمل كُلَّ علامات الدهشة، مُجيبًا "انظر حولك؛ ستجد كل الأطفال الذين حضروا لأداء الاختبارات يرتدون قميصًا واحدًا، قميص محمد صلاح، واستطرد: "كلهم عاوزين يكونوا محمد صلاح" ..فأجبته  قائلًا: "وإيه المشكلة؟ ياريت كلهم يكونوا محمد صلاح!".

ضحك الرجل ساخرًا من إجابتي وقال: "المشكلة تكمن في متاجرة الأندية بأحلام هؤلاء الأطفال، المشكلة أنّ أولياء الأمور انساقوا وراء هذا الحلم، كل ولي أمر يحلم بأن يكون ابنه في شُهره محمد صلاح وثرائه، أنت عارف مرتب محمد صلاح في الأسبوع كام؟".

وقبل أن أجيبه، استطرد قائلًا: مرتب صلاح في الأسبوع يكفي لحلّ كل مشاكلي ومشاكل أولادي وأحفادي وجيراني كمان، المشكلة أنّ الغالبية العظمى من الأطفال وأولياء الأمور جعلوا هذا الحلم فوق كل الأحلام، حتى فوق التعليم، ومن أجله يستدين أولياء الأمور الفقراء المئات، بل آلاف الجنيهات لتحقيق هذا الحلم.

وأضاف: "القضية أنّ الأندية استغلت الفرصة وحوّلت الاختبارات إلى أكبر مصدر للتربح، والقضية الأخطر هي ظهور "مافيا " من المدربين والمسؤولين بالأندية يتاجرون بأحلام هؤلاء الأطفال، ويحدث العكس، مَنْ يُرِدِ اللعب ،مهما كانت موهبته؛ فليدفعْ أكثر، بل يدفع الكثير.

 وأشار الرجل العجوز إلى رجل آخر يجلس بجوار طفله تحت أشعة الشمس الحارقة في انتظار دوره لأداء الاختبار، وقال: هذا الرجل جاري، إنه رجل فقير، يحلم بأن يكون ابنه (زي) محمد صلاح، عارف الراجل ده عمل إيه؟! باع أغلب أثاث منزله، آه والله! عشان يدفع 40 ألف جنيه طلبها منه مدرب مقابل قيد ابنه في قطاع الناشئين".

تركني الرجل العجوز ورحل، وفجأة اكتشفت أننا في أحد أيام وسط الأسبوع، والدراسة بدأت، وتساءلت بيني وبين نفسي: "معقولة! الآلاف مِن هؤلاء الأطفال والشباب في مختلف الأعمار السنية، من سن 6 إلى 20 سنة، غابوا عن مدارسهم وجامعاتهم من أجل أداء الاختبارات في الأندية؟!".

واقتربتُ من سيدةٍ تجلس بجوار 3 من أبنائها في انتظار دورهم، وسألتها: ليه ولادك مش في المدرسة الآن؟، فقالت: لا.. وأردفَتْ: "هُمّا بياخدوا دروس، مش لازم يروحوا المدرسة، اِدعي إنت بس ربنا يوقفهم في الكورة، ويكونوا زي محمد صلاح وينتشلونا من الفقر، أنا مستعدة أبيع كل ما أملك، بس واحد منهم يكون محمد صلاح"

اندهشتُ مِن تفكير هذه السيدة قبل اكتشافي أنها حالة عامة في كل البيوت المصرية، كل بيت يحلم بأن يخرج منه محمد صلاح جديد، مهما كانت التضحيات، والمشكلة الأخطر أنّ كل بيت جعل التعليم قضيةً ثانيةً بعد اللعب، تصوروا وتَخيّلوا! ووجدتْ نفسي أضحك ساخرًا، وأردد ما قاله الرجل العجوز "منك لله يا محمد يا صلاح".
 

Image
النجم محمد صلاح مهاجم ليفربول الإنجليزي ومنتخب مصر(Getty/غيتي) ون ون winwin
Author Name
Opinion article
On
Source
Show in tags
Off
Caption
المصري محمد صلاح لاعب نادي ليفربول الإنجليزي (Getty)
Show Video
Off