في تاريخ كأس العالم، طالما شهدت المباريات عبر التاريخ وقائع غريبة، وأحداثاً جنونيةً، ولقطاتٍ مثيرةً، وأهدافاً حاسمةً، وحِيَلاً مخادعةً داخل الملعب، وستبقى هذه الوقائع محفورةً لسنوات في الذاكرة المونديالية.
لكن هُناك لحظات لن تُنسى أبدًا في تاريخ نهائيات كأس العالم.. وإجمالاً، يمكن القول إن لقطة واحدة قد تكون كفيلة بالفعل لتخليد اسم أحدهم في تاريخ النهائيات، وهو ما حدث بالفعل للإنجليزي الراحل غوردون بانكس، حارس مرمى منتخب إنجلترا خلال نهائيات كأس العالم 1970.
كانت إنجلترا قد فازت باللقب الأول والأخير في تاريخها بكأس العالم في 1966 على أراضيها أمام أعين الملكة إليزابيث الثانية، وحينها ساعد "بانكس" الأسود الثلاثة في الفوز بالمونديال.
لكن بعد أربع سنوات من رفع كأس المونديال في ويمبلي، وبعدما سافر أبطال إنجلترا إلى المكسيك للدفاع عن لقبهم، ظهر بانكس في لحظة تألق نادرة لم تُنسَ أبدًا، بيوم 7 يونيو/ حزيران 1970، اكتسب بانكس سُمعة باعتباره أحد عظماء إنجلترا وكرة القدم الذين خُلدت أسماؤهم في التاريخ.
ظهور بانكس من العدم يُثير دهشة بيليه!
في كأس العالم 1970، أوقعت قرعة البطولة الفريق حامل اللقب في المجموعة الثالثة، رفقة البرازيل ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا.
في الجولة الثانية من دور المجموعات، واجهت إنجلترا منتخب البرازيل، في مباراة وصفت بأنها المباراة النهائية "الحقيقية"، بين أبطال العالم والمنافسين الأقوى على اللقب؛ بين رجال ألف رامسي وسيليساو بيليه.
وفي منتصف الشوط الأول، وبينما كانت النتيجة التعادل 0-0، وجد كابتن البرازيل كارلوس ألبرتو زميله جارزينيو في الجهة اليمنى، وقد تخطى تيري كوبر، ثم أرسل كرة عرضية إلى ساحر بلاده بيليه. حينها، صعد بيليه إلى الأعلى وصاح "هدف" حينما سدد الكرة برأسه، لكن بانكس تصدى للكرة في تحدٍ لقوانين الفيزياء.
تصدي بانكس المذهل
فبعد أن غاصت الكرة إلى يمينه تمامًا، ارتدت إلى خط المرمى وارتفعت، في الوقت الذي سقط فيه بانكس بفعل الجاذبية، لكنه بعد أن سقط، رفع يده اليُمنى في الهواء وأبعد الكرة فوق العارضة، في مباراة انتهت بفوز البرازيل 1-0، قبل أن يواصل "راقصو السامبا" طريقهم للتتويج باللقب.
ماذا قال بيليه عن تصدي بانكس؟
التصدي أذهل بيليه وجعل الجوهرة السمراء يتحدث، ليعلق في تصريحات عبر الموقع الرسمي لـ"فيفا": "لقد سجلت العديد من الأهداف في حياتي، لكن الناس دائمًا ما يسألون عن الهدف الذي لم أسجله بسبب هذا الإنقاذ، لقد كانت واحدة من أفضل ما رأيته على الإطلاق في حياتي، وفي آلاف المباريات التي شاهدتها منذ ذلك الحين".
وأضاف: "لقد جاء من العدم، وفعل شيئًا لم أشعر أنه ممكن.. حتى الآن عندما أشاهده لا أصدق ذلك، لا أصدق كيف تحرك حتى الآن بهذه السرعة".
بانكس: كنت محظوظًا أمام بيليه
بانكس تحدث أيضًا عن هذه اللحظة العبقرية، قائلًا إنه "محظوظ"، قبل أنّ يُضيف مازحًا: "لن يتذكرني أحد لفوزي بكأس العالم، وسأكون لهذا التصدي فقط".
وتابع: "بعد أن وضعت يدي في اتجاه الكرة، اعتقدت أنها سترتد إلى المرمى، لكن بعد أن شاهدتها تذهب خلف الشبكة قلت لنفسي يا لك من محظوظ".
ولعب بانكس 73 مباراة دولية مع إنجلترا بين 1963 و1972، وخاض نحو 200 مباراة مع ستوك سيتي قبل الاعتزال عقب حادث سيارة كلفه فقدان البصر في إحدى عينيه.
وبعد 52 عامًا من تصدي بانكس، والذي أطلق عليه البعض "تصدي القرن"، تمت مُقارنة العديد من التصديات بلحظة غوردون المُذهلة، التي لا مثيل لها، والتي كانت دائمًا مقياسًا، لأنها أعظم إنقاذ في تاريخ كرة القدم على الإطلاق، حسب ما يجزم به مؤرخون.
يُذكر أنّ بانكس تم اختياره كأفضل حارس من قَبل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" في 6 مرات.