مع تنظيم المغرب للبطولة العالمية المدرسية في كرة القدم، يكون المغرب قد ركز منذ سنوات جهودًا غير فاترة في البحث عن مواهب وتكوينها وتأطيرها منذ مشتلها في المدارس والمؤسسات التعليمية؛ فالرياضة المدرسية والجامعية تشكل مساهمة قيمة في توفير قاعدة كبيرة وثرية من ممارسي كرة القدم والمواهب الصاعدة.
والدراسات العلمية أثبتت أن الرياضة عامل لا غنى عنه في تكوين شخصية الطفل والمتعلم وتحفيز عطائه المدرسي، كما أن مساهمة كرة القدم في محاربة مظاهر الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة، يرفعها إلى مرتبة عامل إدماج اجتماعي، وجب توجيه جهود الاستثمار الحقيقي فيه.
فهل لنا فعلًا رياضة مدرسية رائدة بإمكانها أن تجعلنا مطمئنين على مستقبل الرياضة الوطنية في جميع أصنافها؟
التربية الرياضية من أساسيات هواجسنا وخصوصًا على صحة التلاميذ بدءًا من الحلقة الأولى من المرحلة الابتدائية؛ لذلك أولتها الجهات الحكومية جل اهتمامها، لقناعتها بأن صحة التلاميذ من أولويات استراتيجية التربية الرياضية المنبثقة من رؤية ورسالة وزارة التربية والتعليم المنبثقة من استراتيجية الإصلاح والنهوض بقطاع الرياضة، ولإيمانها بأن مخرجات التعليم منظومة متكاملة لا تقتصر على التعليم فحسب، وإنما للأنشطة الثقافية والرياضية دور أساسي في تلك المنظومة وهي جزء لا يتجزأ منها ولا يمكن فصلها بكل الأحوال؛ لذلك رؤيتنا للرياضة المدرسية في أن نرى صداها لدى المسؤولين وفي البيت والمدرسة ويصل صداها للشارع الرياضي.
الرياضة المدرسية بالنسبة لكل الدول العربية تشكل هاجسًا مخيفًا، ونقطة سوداء تحول دون تقدم الرياضات بالرغم من كون بعض الدول تحاول أن تزين بها واجهتها السياسية، في حين أن الرياضة المدرسية هي مشتل حقيقي لتقدم الرياضة، ولم تكن يومًا واجهة للتزيين أو (ديكورًا)، بل هي دعامة أساسية لكل خطة رياضية مستقبلية ناجحة.
الملاحظ أن التربية الرياضية في مدارس المغرب تعج بالكثير من الخامات الواعدة والتي يتم اكتشافها من خلال المدارس وتحديدًا من المسابقات الرياضية المدرسية التي تقيمها إدارة التربية الرياضية المدرسية والتي تشمل جميع الألعاب والرياضات الأساسية جماعية أو فردية وتنظم بصورة مبرمجة وبخطة سنوية.
تعددت الأدوار التي تلعبها الرياضة المدرسية، فإلى جانب دورها التربوي والتكويني وتحصين الناشئة من كل أنواع الانحراف السلوكي، باتت تشكل مشتلًا خصبًا لاكتشاف المواهب الواعدة التي قد تعزز الحضور المغربي في مختلف المحافل الرياضية المحلية والدولية.
فسنة بعد أخرى، يظهر التوجه المتزايد صوب الرياضة المدرسية باعتبارها خزانًا لا ينضب من المواهب والطاقات الإبداعية في أنواع مختلفة من الرياضات، يعزز أرصدة الأندية والجمعيات والجامعات الرياضية، ويسهم في رسم ملامح أبطال المستقبل.
ويأتي هذا الاهتمام انطلاقًا من الدور الكبير للرياضة المدرسية باعتبارها دعامة أساسية للرياضة الوطنية، وفضاء حقيقي للتنقيب عن “الطيور النادرة” وصقل مهاراتها قبل الالتحاق بالأندية الرياضية، ومجالًا حيويًا يسهم في التربية السليمة للتلميذات والتلاميذ وتكوين شخصيتهم ومساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات، فضلًا عن كونها تزرع فيهم قيم الروح الجماعية والمنافسة الشريفة.
تعتبر الرياضة وسيلة من الوسائل الحديثة في التربية لما لها من دور في التربية المستدامة وفي تكوين شخصية الطالب جسديًا وعقليًا وانفعاليًا واجتماعيًا؛ لذا استخدمت الألعاب الرياضية في التعليم، والتعليم عن طريق الألعاب، وهي التي تتفاخر بها كل شعوب العالم والصورة العاكسة لتطور الدول وتقدمها، ولها أهميتها وارتباطها بالكثير من العلوم مثل علم النفس والاجتماع والتنظيم والإدارة والبيئة والصحة والتعليم الحركي منذ مراحل الطفولة المبكرة مرورًا بمراحل النمو المختلفة وحتى الشيخوخة، وهي الحصن الواقي من جميع الأمراض.
يتمثل الهدف الأساسي للرياضة المدرسية، حسب منظومة التربية والتكوين، في تكوين شخصية التلاميذ ومساعدتهم على اكتساب المعارف والمهارات والكفايات الرياضية، وكذلك تعلم العادات الصحية والوقائية التي تحقق لهم التوازن النفسي والوجداني لمساعدتهم على الدراسة والتحصيل وتجنبهم آفات الانحراف، إضافة إلى كونها تعتبر مشتلًا لتفريخ الممارسين ورصد مشروع أبطال رياضيين.
ورغم أن هذه الرياضة تتيح الانفتاح على أكبر عدد من الممارسين في شتى مناطق المغرب مما سمح بإبراز مواهب وخامات في شتى التخصصات وخاصة كرة القدم، غير أنه تغيرت عدة معطيات بين الأمس واليوم، حيث فقدت الرياضة المدرسية مكانتها ولم تعد تحظى بذلك الاهتمام الذي كانت عليه.
كانت المؤسسات التعليمية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي محدودة ومعها عدد الدارسين، وكانت الرياضة المدرسية حكرًا على التعليم الثانوي بسلكيه، غير أن النتائج المحققة كانت مشجعة من أجل الاستمرار في هذا المشروع.
* آخر الكلام ..
قيل منذ قديم الزمن: "العلمُ في الصغرِ كالنقشِ على الحجرِ".. والمدرسة هي أساس اكتساب المهارات التربوية والتعليمية والبدنية، والمهارات الذهنية أو البدنية تحتاج للتعلم في الصغرِ.
لذا أصبحت الرياضة المدرسية هي المحرك الأساسي للتطور في المجال الرياضي، وهي من أهم الدعائم للألعاب الرياضية لاكتشاف المواهب، ومن ثم صقلها في مراكز متخصصة.
الرياضة المدرسية تستهدف بالدرجة الأولى تلاميذ المدارس بمختلف مراحلها، وهي الطريق الصحيح لتبني المواهب من أجل صناعة رياضي مؤسس بشكل صحيح ليصبح بطلًا.
الرياضة المدرسية هي استثمار في مستقبل كل البلاد العربية لكونها تسهم في نقل قيم المواطنة والعيش المشترك والتسامح والتماسك الاجتماعي، إلى جانب مساهمتها في التعلم للجميع خدمة للمساواة بين الجنسين والتعليم مدى الحياة.
الرياضة المدرسية تعد أيضًا رافعة لتقوية قدرات التلاميذ وتزويدهم بالمهارات الناعمة والاحترام وتقدير الذات كآليات أساسية لتكوين شباب متفهم ومرن يشكل العمود الفقري للرأسمال البشري الوطني.