أحاول الهروب من الكتابة في شؤون كرة القدم كلما حانت الفرصة؛ لكنها تصر على إرهاقي وإدخالي في دوامة الرأي والرأي المخالف؛ لذلك أسعى في كلماتي هذه إلى العبور بأمان على الحقل الملغم بالتعصب أحيانًا وانعدام المعرفة في أحيان أخرى..
المشاهد عديدة، تفرض التوقف عندها لبعض الوقت مع الإبقاء على هامش للاختلاف، فقد تكون الرؤية مختلفة من منطلق الزاوية التي ينظر من خلالها كل فرد أو كل محترف متاعب مثلي، المشاهِد تتلون حسب العين التي تنظر إليها لكن العقل يضعها في ميزان الحكم ومع ذلك يبقى حكمًا ذاتيًا يخضع لعاملي الخطأ والصواب.
يقترب مونديال 2022 من الانطلاق ومع حلول موعد كل مونديال يكثر حديث المقارنات بين بيليه ومارادونا ويصل الأمر إلى ميسي ورونالدو، حديث يسيّره بعضهم -هداهم الله- وفق منطق الأهواء والميول الشخصية؛ سعيًا وراء كسب ود عامة الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي دون الاحتكام إلى أرقام دقيقة هي الفيصل عندما يتعلق الأمر بالرياضة عمومًا والكرة على وجه الخصوص.
بيليه توج باللقب العالمي 3 مرات مقابل لقب واحد لمارادونا، في حين لا يزال ميسي ورونالدو دون تتويج وأملهما الوحيد في مونديال قطر قبل الاعتزال فقد يبتسم الحظ لأحدهما وقد يخرجان من الحفل المنتظر دون مراسم تقليدهم الذهب وكتابة أسمائهم في سجلات الأبطال.
الأرقام تؤكد تنصيب بيليه ملكًا -وهو الملك فعلًا- لكنها لا تنفي صفة الأسطورية عن مارادونا ولا تدخل الثنائي الحالم بنهاية سعيدة لمشواره ضمن خانة أساطير كأس العالم مع التأكيد على أنهما خارج مجال التصنيف والمقارنة مع أبناء جيلهما حين يتعلق الأمر ببطولات أخرى غير كأس العالم.
المشهد الإعلامي والصحفي لم يعد مفتوحًا للقلم المبدع؛ إذ ضاعت الكلمة وأمانتها وتاهت في جحيم العموميات؛ حتى صار الاستكتاب في الصحف والمواقع يخضع لعامل عدد المتابعين في منصات وسائل الاجتماعي، وفقدنا الرغبة في القراءة وأفقدنا المهنة جلالها حتى صار "الفهلوي" يتحدث باسمها، ويتحدث بمعلومات خاطئة، يجادل أمام الملايين، ولا يخجل من خطئه ولا يبالي! يضحي باسمه وبسمعة مهنة مات من أجلها الرجال والنساء في الحروب، وسجن آخرون وأخريات لأجل كلمة حق تكتب أو تقال دفاعًا عن المظلومين والمهمشين الذين رمتهم الأقدار للعيش في الشوارع الخلفية.
لا يزال بعض الجزائريين يعيشون على أمل تأهل منتخب بلادهم، ينتظرون حدوث المعجزة التي تقصي الكاميرون وتؤهلهم، أمل روّج له الكثير من الممارسين للكذب والبهتان واللعب على عاطفة شعب يتنفس كرة القدم مثل الكثير من الشعوب العربية التي تهرب من ويلات السياسة والاقتصاد وكوارث أخرى عديدة إلى حضن الكرة، وتبحث عن فرحة أمل يتجدد مع كل فوز حتى وإن كان في مباراة ودية لمنتخبهم، قد نلوم من يتسمك بالأمل لكن في الحقيقة كل اللوم يقع على مروجي الأكاذيب وموسيقي الوهم لأجل مكاسب ذاتية، وكأنهم بارونات مخدرات يهدفون إلى الكسب السريع على حساب شباب يهرب من واقعه إلى سمومهم.
أرحبوا... أغنية من أغاني مونديال 2022، انتشرت انتشارًا واسعًا عبر أرجاء العالم، لا يمر يومًا من الأيام وألا يظهر فيديو من دولة مختلفة، من أفريقيا، آسيا، أمريكا الجنوبية، وأطفال ورجال ونساء في مجموعات صوتية تغلب عليها التلقائية في رسالة واضحة لسيطرة كرة القدم على عقول وقلوب الملايين.
قد يبدو الأمر طبيعيًا ومألوفًا لكنه في واقع الأمر يحتاج إلى دراسة حالة فعندما يأتي ترديد الأغنية من البرازيل أو ألمانيا وأي بلد من الدول التي تملك منتخبات قوية وعادات مونديالية مع التتويج يعد الأمر عاديًا ومقبولًا لكننا عندما نشاهد أطفالًا من سوريا ومن دول أفريقية تعاني الويلات يصبح الأمر في حاجة إلى أكثر من دراسة ومن تدقيق لشرح الظاهرة ومدى سيطرة كرة القدم التي تبقى الملجأ الوحيد لأحلام وآمال المغلوبين على أمرهم إلى حين.
قد يفرض اسمي تشجيع المنتخبات العربية في مونديال 2022، لكنني في الواقع أتبرأ منه ومن تبعاته عندما يحين موعد المباريات؛ لأنها كرة قدم في موعد عالمي تحركه تعاليم الإعجاب وعاطفة التشجيع ومع ذلك أتمنى لهم التوفيق لأجل شعوب تنتظر فرحة ما، ولأجل شعوب أرهقتها ظروف الحياة لكنها تصر على السفر مشيًا وعلى الدراجات برًا وبحرًا وعبر الجو لمتابعة منتخباتها، إنها كرة القدم عندما تتكلم لغة الإغراء.
آخر الكلام: الكلمة أمانة، والأمانة نحاسب عليها؛ لذلك علينا أن نقرأ كثيرًا ثم نقرأ كثيرًا، ونتريث في إطلاق الأحكام، ومن يجلس في مجلس الكبار عليه أن يعتمد أسلوب التاجر "الشاطر" الذي يفكر في إجادة الشراء قبل التفكير في عملية البيع.