أستطيع القول إنني استقبلت الانتهاء من اللمسات و التجهيزات الأخيرة بشأن كل صغيرة و كبيرة متعلقة بمونديال قطر بحميمية شديدة الشبه بتقبيل أشعة الشمس جبين رابية خضراء في الدوحة.
ولست هنا في وارد الانشغال عن الفكرة برصد كل الأطياف التي تلون قمر الدوحة، لأنني على يقين بأننا أمام إبهار وإعجاز مونديالي سيحشر بطولات ما بعد مونديال قطر في الزاوية الحادة.
وبعيدا عن حضوري للمونديال من عدمه أستطيع أن أراهن على نجاح ساحق لهذا المونديال العربي، على اعتبار أن كل شيء يحيط بهذا الحدث العالمي مذهل، فالأماكن مثيرة للدهشة، وتجد المونديال يستحضرك تماما ويسلخك عن ذاتك، يشدك ويجذبك ولو كنت مشاهدا لهذا المونديال في غرفة نومك.
تقول العرب العاربة والعرب المستعربة (القلوب عند بعضها)، وقلبي بالفعل أشعر به يغادر ضلوعي وقفصي الصدري ويحط فيض مشاعره كلها هناك، حيث سنونو الدوحة يستعد لجلب كل الربيع لمنطقة الشرق الأوسط.
أتابع عن بعد كل ما يتعلق بهذا المونديال، وينتابني إحساس بكل هذا السحر الذي يغلف السباق المتناغم بين البساطة في المعاني والقدرة الفذة والمدهشة على ترويض المستحيل ودغدغة مشاعر كل العرب من المحيط إلى الخليج بمعطيات كلها فن وطرب وأغاني.
يكفيني كمواطن عربي شريف - طالما لم يرتكب جرما ضد القومية العربية - أن أشعر بذاتي المتألقة تحوم في سماء الدوحة وتحلق مع الكواكب والنجوم، في انتظار لحظة الميلاد التي ستشكل علامة فارقة بين هذا المونديال، وما سيتلوه من مونديالات قادمة ستدخل دون شك في مفاضلة صعبة ومعقدة مع مونديال القرن العربي.
سأستمتع بمونديال مختلف يحمل في ثناياه الأصالة والتراث العربي وقدرة الإنسان القطري على تجسيد كل معاني الاندهاش والانبهار، عندها لا يهم مكان المتابعة من قلب الحدث أو من غرفة النوم، فالأمر في كلتا الحالتين سيان.
ولأننا في زمن السماوات المفتوحة الذي يتيح لكل متعطش تغطية فضائية ومرئية ثرية طازجة ودسمة، فبمقدور العبد لله وهو يسكن جنوب الجزيرة العربية أن يكون مشاركا في صناعة الحدث وتحليله بخفة، وإن كنت مسترخيا في مجلسي أحصي بالأذن التي تعشق قبل العين أحيانا نيسانات الدوحة وتوابع كرنفالها المحفز للحواس الخمسة.
أثق تماما بأن من لم يسعفه حظه في حضور المونديال ومشاهدة مبارياته المثيرة من مكان الحدث سواء كان قابعا في القاهرة أو الخرطوم أو عدن سيقتسم متعة المشاهدة التي تحبس الأنفاس، إما عن طريق التغطيات الإعلامية المختلفة، وإما عن طريق مشاعر المحبة النابضة لكل ما يبعث على الشغف والمتعة.
وبالنظر إلى دلالات أن مونديال قطر هو مونديال كل مواطن عربي، فلا بأس أن يتحول الواحد منا إلى معول بناء يرتقي بذوقه ليواكب كل هذا الجمال الساحر الذي يخلب الألباب ويسلب العقول ويغشي الأبصار.
يمكنني الآن أن أختال ضاحكا رافعا رأسي أمام كل أجنبي كان يرى في الشرق الأوسط مجرد منطقة حروب ملتهبة لا تكف بلدانها عن ممارسة أعنف الألعاب، بوسعي الآن بعد أن حصحص الحق أن أخرج لساني للأجانب الذين يروننا دولا نائمة أو نامية و أطلب منهم أن يبتلعوا غيظهم ويصغوا لصوت قطر عبر محاسن جمال منشآت وملاعب واستادات صديقة للبيئة.
يحق لي أن أزهو بهذا المجد الرفيع، وأضحك كثيرا على خلفية أن الفوارق أصبحت لصالح العرب، فهم بفضل الله أولا ثم قطر ثانيا باتوا أسياد التنظيم البديع ونجوم الفن المعماري الرفيع، فعندنا الآن ما لا يوجد عندهم وبالصوت والصورة، فهل لدى هؤلاء تحف مذهلة مثل ملاعب المونديال التي تتألق تحت الأضواء كسبيكة ذهبية خرجت للتو من مصباح علاء الدين السحري؟
يحق لي كمواطن عربي بعيدا عن تخصصي كمحلل أو ناقد أن أتباهى بدولة قطر، وقد صار مونديالها محورا للكون، ويحق لي أن أفاخر بكل هذه الجودة التي صنعت لنا إنجازا بطعم الإعجاز.
كنت محظوظا من قمة رأسي حتى أخمص قدمي عندما عايشت لحظة المخاض الأولى من الدوحة مباشرة قبل 12 عاما، كنت شاهدا على ملف قطري أسطوري حوى مفاجآت ضخمة أذهلت العالم وأسمعت كل من به صمم.
رصدت عن كثب وتابعت عن قرب تلك البداية التي استقطبت أسرابا من مختلف أنحاء العالم، و لم أتورع وقتها عن تسجيل شهادتي للتاريخ: سيفوز ملف قطر باكتساح ولن يقف في طريقه كل من يدعي أنه قوة عظمى.
ودارت الأيام، ومرت مثل البرق، وها قد أصبحنا نعايش الحلم، ونتعاطاه كحقيقة دامغة لا تقبل الجدل ولا النقاش، ولم يعد يفصلنا عن مونديال الدهشة سوى أيام قليلة، فما أجمل أن ينتصر هذا المونديال لهويتنا العربية! ويا له من شعور عندما تفتح باب بيتك وتصرخ في وجه العالم من أعماقك قائلا: في بيتنا مونديال يتكلم العربية ..!