لم يخلُ المشهد في الأسابيع الماضية من الجدل حول استضافة كأس العالم بزعم أنّ قطر لا تستطيع تنظيم المونديال، وبعدما أثبتت الدوحة أنها بمنشآتها ومرافقها واستعداداتها، التي قامت بها لجنة المشاريع والإرث، قادرة على تنظيم بطولة لن تُسنى وستظل راسخة في الأذهان لسنواتٍ، تم توجيه انتقاداتٍ لاذعة بخصوص أشياء أخرى ليس لها أيّ علاقة بكرة القدم.
وحوّلت وسائل إعلام أجنبية وبعض الاتحادات الأوروبية، بجانب جزءٍ من اللاعبين بطبيعة الحال، كأس العالم من كونها "مجرد بطولة كرة قدم"، لتُصبح مهرجانًا ضخمًا تتنافس فيه السياسات والهويات والأفكار المختلفة، وقد وجدنا مزيدًا من الظهور والتأثير لمسألة المثليين، مع تجاوز مستويات لم نكن نتوقع الوصول إليها، وحسب مراقبين، بدا الأمر حقًّا وكأنه صراع في حملة انتخابية.
حملة غربية تتعرض لها قطر!
ورغم كثرة التشكيك الدوليّ في قدرة الدوحة على استضافة كأس العالم، منذ وقع الاختيار عليها عام 2010، فإن هذه الدولة الخليجية استطاعت أن تستثمر فعاليات رياضية عدة استضافتها على أرضها من أجل تجربة خططها التشغيلية المتكاملة للمونديال، وهذا ما جرى فعلًا عند استضافة كأس العرب عام 2021، وكأس العالم للأندية، وكأس سوبر لوسيل، إلى جانب بعض الفعاليات الأخرى.
كل هذا التشكيك سقط فعلًا بعد أن أعلنت الدوحة قبل شهرين الانتهاء من الاستعدادات للحدث الرياضي العالمي، متحدّثة عن بيع مليونين و800 ألف تذكرة لحضور البطولة، واستقبال 12 ألف إعلامي، مع توفير 30 ألف غرفة فندقية جديدة لجماهير كأس العالم، وكذلك بعدما رأى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو أنّ دولة قطر ستُقدّم النسخة الفُضلى في تاريخ كأس العالم، وحديثه عمّا وصفه بـ "الجاهزية المثالية" للحدث.
لكن مع اقتراب انطلاق البطولة، أسالت قضية العمال المشاركين في بناء الملاعب الكثير من الحبر، وأصبحت أسئلة كثيرة تُوجه إلى اللاعبين والمدربين حول أمور لا تتعلق بكرة القدم، وبدا أنّ هُناك حملة أو "أجندة" واضحة ضد الدولة القطرية.
وقبل أقل من 24 ساعة فقط على موعد المباراة الافتتاحية لكأس العالم بين قطر والإكوادور، تم توجيه أكثر من سؤال إلى المدرب الإسباني فيليكس سانشيز، المدير الفني لمنتخب قطر، حول قضية حقوق الإنسان، وما إن كانت القضية ستؤثر في المنتخب، وبدت الأسئلة غير مفهومة بعض الشيء، حسب ما أفاد به مراقبون.
الثابت فيليكس سانشيز ومغامرة المونديال
في المقابل، أتت إجابات سانشيز رائعةً وبعيدةً عن الدبلوماسية؛ إذ وصف اليوم الافتتاحي للمونديال بأنه "يوم تاريخي"، سيُمثل سعادة كبرى، مُشيرًا إلى وجود العديد من الأمور الزائفة، التي لا تعكس الحقيقة والواقع، في إشارة منه إلى ما يُثار من دول أجنبية حول قطر وتعاملها مع العمال الأجانب، مؤكدًا في نفس الوقت أنّ خسارة حياة أي عامل هي مأساة تراجيدية؛ سواء كان في قطر أو في أي بلد آخر حول العالم، لكنه تمنى أنّ يوحد المونديال القطري الجميع.
وتكفل الإسباني مرةً أخرى ردًا بالنص على سؤال يتعلق باحتمالية تأثير الانتقادات المُوجهة لدولة قطر في أداء العنابي داخل المستطيل الأخضر: "كل ما يُقال ليس حقيقيًا.. منذ سنوات ونحن نجهز أنفسنا، ولا يمكن لأحد زعزعة الاستقرار داخل المجموعة.. التأثير السلبي هنا صفر، نحن جاهزون للعب بقوة، وهذا ما نركز عليه، دون أن ننشغل بأي انتقادات أو شائعات".
ولكن بعيدًا عن تلك القضايا غير المُجدية، أظهر سانشيز ثباتًا انفعاليًا يوحي بأنه قادر على قيادة العنابي بشكل جيد في البطولة، خلال مشاركة الفريق الأولى في المونديال، حيث لم يسبق لقطر من قبل النجاح في التأهل إلى النهائيات.
واعترف سانشيز بالفعل بأنّ منتخب الإكوادور بما يملكه من لاعبين محترفين في أكبر الدوريات الأوروبية الكبرى، مرشح على الورق للانتصار على أصحاب الضيافة، لكنه أكد أنّ ذلك يمثل تحديًا للعنابي، وسيحاول التغلب عليه والعمل سيكون من خلال دور المجموعات في العُرس العالمي.
وبعيدًا عن السياسة وأشيائها، سيكون أمام سانشيز تحدٍّ، بألّا تتوقف مشاركة العنابي عند دور المجموعات فقط، حتى لا تُصبح قطر ثاني دولة مُضيفة تُغادر المونديال من دور المجموعات بعد جنوب أفريقيا في 2010.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تحدٍّ آخر مُتمثل في الوصول بعيدًا بالمونديال، مع عدم توقف مشوار صاحب الأرض عند دور الـ16، حيث من المُتوقع أن يلتقي العنابي مع أحد المنتخبات القوية ضمن المجموعة الثانية في الدور الثاني، في حال تأهل بالطبع.
وفي النهاية، يظل ما نتوقعه من منتخب قطر في كأس العالم متوقفًا على ما سيحدث في المباراة الافتتاحية، والتي ستكشف إلى حدٍّ كبير عن مدى قدرة العنابي على الوصول بعيدًا في المونديال.