أعترف أنكم بدأتم تملون كتاباتي عن الكرة الفرنسية، لكن من يقنع الفرنسيين ويجبرهم على إيقاف أسطوانة مشاكل منتخبهم المشروخة؟ ومن منكم يتجرأ وينصح الفرنسيين بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر مع قضاياهم الساخنة التي تكفي لملء المحيط الأطلسي عن بكرة أبيه وأمه؟
كأنما أصبح قدر الكرة الفرنسية أن تشهد قضية مثيرة للجدل كل كأس عالم، والقضية هذه المرة وعلى بعد أيام قلائل على انطلاق مونديال الدوحة ليست قضية ابتزاز أو رشوة أو قلة أدب، لكنها مشكلة جديدة فيها من العار ما يغطي مساحة فرنسا بأكملها.
من يتابع مسلسل دينامو الوسط الفرنسي المصاب بول بوغبا، لاعب يوفنتوس الإيطالي، مع شقيقه ماتياس سيصاب بالصدمة والذهول؛ لأنه من النادر -والنادر لا حكم له- أن يخرج الظفر من اللحم، فالاتهامات المتنافرة والمتناثرة التي يطلقها ماتياس في حق شقيقه موجعة بحق، لكنها في الوقت نفسه خطيرة للغاية، وكل يوم تأخذ منحى تصاعديا يوحي بأن أسوأ أيام بوغبا لم نعشها بعد.
وكنت أظن -وبعض الظن ليس إثما- أن ماتياس سيبتلع لسانه المتبري منه ويكف ولو قليلا عن إلحاق الضرر بشقيقه بوغبا، خصوصا وقد اعتقلته السلطات الفرنسية بعد أن طفح الكيل، ولم يعد أمر تجاهل قذائف اتهاماته لشقيقه مجرد نزوة عابرة يمكن تجاوزها بالضغط على وتر عبارة أن (الدم لا يمكن أن يصبح ماء).
وما ظننته ممكنا في هذه القضية التي يتهم فيها ماتياس شقيقه بوغبا بممارسة السحر الأسود في ملاعب الساحرة المستديرة استحال حقيقة إلى مادة مشتعلة، بدليل أن ماتياس رفع من حدة الاتهامات وهو داخل السجن إلى درجة الغليان.
ورغم تضارب الاتهامات في هذه القضية الخطيرة وصعوبة تصديق بعضها، فإننا تعلمنا بحكم العادة الفرنسية التي قطعها عداوة أنه لا يوجد دخان من غير نار.
ما يتعرض له بول بوغبا من ابتزاز واضح من شقيقه ومن أصدقاء الطفولة على خلفية أنه مارس السحر مرة لصالح مانشستر يونايتد؛ لأجل إلحاق الضرر بباريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا قبل ثلاثة أعوام، ومرة أخرى ضد زميله في المنتخب، كليان مبابي، يوحي بالفعل أن بوغبا متورط في الأمر بطريقة أو بأخرى.
لم يعد كافيا أن تصرخ الأم على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية في فرنسا بمانشيت طويل عريض تحمل كلماته دموع أم ينفطر قلبها؛ لأن توسلها بمانشيت (كفى اسدلوا الستارة) لم يجد آذنا مصغية لا من ماتياس داخل قضبان السجن، ولا من فرسان الصحافة الباحثين دائما عن الإثارة والفضائح.
ويا سبحان الله، ما أشبه ليلة بول بوغبا ببارحة النجم كريم بنزيما، الذي حُرم من الدفاع عن ألوان المنتخب الفرنسي في مونديال روسيا؛ بسبب قضية ابتزاز في حق زميله في المنتخب ماتيو فالبوينا.
رُفِع الحظر الدولي عن بنزيما بعد خمس سنوات عجاف غاب فيها عن أهم تتويج مونديالي، فبدأ كمن يدفع ثمنا باهظا من مسيرته الدولية، فالفوز بكأس العالم لا يأتي إلا مرة واحدة في حياة أي لاعب فرنسي، خصوصا مع منتخب يعيش دائما دراما مشحونة بالكثير من القضايا المسيلة للدموع والموجعة للجموع.
قضية بول بوغبا أفسدت على مدرب المنتخب الفرنسي، ديدييه ديشامب، خططه المونديالية للدفاع عن اللقب بأفضل طريقة ممكنة، فمن يرصد الفوضى النفسية داخل معسكر المنتخب الفرنسي سيكتشف أن وراء الأكمة ما وراءها.
بالنسبة إلى ديشامب فإن أهم لاعب مؤثر في غرفة الملابس معلق الآن بين السماء والأرض، وكلما يتنبأ بول بوغبا بفجر جديد يرفع عن كاهله ظلمة اتهامات شقيقة إلا ويظهر هذا الأخير حاد اللسان ليؤكد لشقيقه أن الليلة الظلماء المفتقد فيها للبدر ما زالت سيدة الموقف حتى إشعار آخر.
هذه المرة قد تقف فرنسا كلها ضد ديشامب، فيما لو تهور وصمم على ضم بول بوغبا في القائمة المونديالية، ليس لأن بول أصبح منبوذا من بعض زملائه وأولهم مبابي فقط، ولكن لأن قضيته مع شقيقه قد تتطور وتأخذ أبعادا اجتماعية خطيرة في قادم الأيام، فكما يقول ماتياس: لن أتوقف ولدي المزيد.
ومن دون مجاملة لم يكن لفرنسا أن تكون بطلة للعالم في مونديال روسيا لولا براعة بول بوغبا داخل الملعب وخارجه؛ لذا يدرك ديشامب تماما أن بوغبا كان روح المنتخب الذي يبث الحماسة والقوة في أوصال زملائه، تماما مثلما أنه يؤدي أدوارا تكتيكية تضبط إيقاع الوسط يسيطر من خلاها على عقلية المنافسين ببراعة تستحق الإعجاب.
منطقيا أصبح تعويض بول بوغبا في كأس العالم قطر 2022 كقائد في الملعب وموجه في غرفة الملابس أقرب إلى الاستحالة، فمن الصعب على الشاب اليافع تشواميني، نجم ريال مدريد، أن يتقمص دور الأخطبوط بول في وسط الملعب، ويؤدي مهمتين مزدوجتين بنفس كفاءة الغائب المصاب المثخن بالمشكلات، كما أن التعويل على شخصية بنزيما ليؤدي الدور نفسه الذي يلعبه مع ريال مدريد حلم قد يكون بعيد المنال، والسبب أن الأجواء في غرف ملابس الريال تختلف جملة وتفصيلا عن غرفة ملابس منتخب يعاني توابع ويلات غياب تميمة الديوك بول بوغبا.