بدأ كل شيء في ذلك الصباح. التقيت بهم في ساحة بعيدة قليلاً عن منزلي للعب كرة القدم، كانت طقوسنا غريبةً، صغارًا وكبارًا، لم نعرف بعضنا إلا بأسمائنا المستعارة. عبود، رمزي، حاتم، كواريزما، رُستم، وأنا.
كانت الفِرق مزيجًا غريبًا من التجمعات؛ عمّال بناءٍ، طلاب المدارس الثانوية، أساتذة الطب والهندسة، النوادل، والطهاة. كانت دعامات المرمى عبارة عن حقيبَتَي ظهرٍ، وبضعة أزواج من الأحذية الرياضية.
يتم تقسيم الفِرق إلى فريق المحاربين القُدامى -في محاولة لاستنزاف ما تبقَّى من أيام مجدهم- وفريق الشباب الباحث عن غزوهم تحت سماء ذهبية.
لكن ليس يوم الأحد، ليس عندما يأتي أحمد مصطفى السيد، الملقب بـ "زيزو"، بقميص منتخب مصر الذي كان يرتديه في معظم الليالي، واضعًا عليه اسمه.
في إحدى الأمسيات، بدَّلنا حقائب الظهر بمرميَي تدريبٍ صغيرين، في تلك الليلة، اختارني زيزو وأصدقاؤه، وقد سرحتُ بما يكفي لأشاهده عن قُرب، تُرتَكب ضده أخطاء قاسية جدًا لكنه لا يسقط. ولا يغطس أو يشتكي. لا يبحث عن ركلة حرة أو ركلة جزاء. في كل لقطة، يتابع الكرة بعينيه مع الحفاظ على توازنه بشكل مثالي. يقوم بجهود خرافية حتى لا يسقط أو يتسبب في بطاقة صفراء للخصم الذي يبحث عن إيذائه.
هناك عراقيل، حروب ورحلات من الصعاب. يبحث المدافعون عن الكرة؛ لكن زيزو يراوغ، يحاولون الوصول إلى قدميه، ربما يتعثر؛ لكنه لن يسقط. يمسكون بقميصه، يهزمهم ويستمر في الركض.
لقد شاهدتُ حركته بتمعنٍ وفهمت؛ إن عينيه تركزان دائمًا على الكرة لا المباراة أو ما يحدث حوله. يبدو مفتونًا، يرغب في رؤية الكرة داخل شباك الخصم وحسب. عليك أن تنظر عن كثبٍ إلى عينيه لِتَرَ ذلك، كيف تُصبحانِ ضيّقتين، كما لو كان يحاول قراءة الآثار الجانبية لدواء ما، وقد كُتِبت بخطٍ صغيرٍ بلغةٍ ليست عربيةً. يركز على الكرة ولن يغيب عنها بصره، حتى لو طعنه خصومه.
توقفت قليلا، أين رأيت تلك النظرة من قبل؟ كان الأمر مألوفًا جدًا، كانت تلك عيون "بوتو" عندما يرى النظارة الطبية الخاصة بي.
بوتو هو قطي المفضل، لم يكن قطًا ذكيًا. سيأتي فأر ليقتحم المنزل، لكن بوتو لن يُحرَّك ساكنًا، سأضغط على جرس معدني أمامه؛ لكنه لن ينظر إليه حتى، ومع ذلك، عندما أُمسك بالنظارة الطبية، يفقد بوتو عقله. لقد أراد تلك العدسات أكثر من أي شيء آخر في العالم، لا يفقد تركيزه أبدًا إذا حركت النظارة في كل الاتجاهات.
لا يهم مدى السرعة التي حرّكتُ بها النظارة، ستميل رقبة بوتو دائمًا مع العدسات؛ لقد كانت عيناه اليقظتان مثل عيني زيزو اللتين توقفتا عن كونهما عينَي صبيٍّ مراهقٍ لم يتجاوز العشر سنوات، وتحولتا في جزءٍ من الثانية إلى نظرة فاحصة كنظرات شارلوك هولمز.
من المنطقي أن يفعل زيزو ذلك، لن يجادل "بوتو" مع الحكم عندما يَخرج الفأرُ من جُحره، لن يطالب ببطاقة صفراء ثانية ضد عاملِ توصيلِ الطلبات بعدما تأخّر في توصيل الطلب. في الأيام الأولى لكرة القدم، كان البشر كذلك. لقد طاردوا الكرة فقط، لم تكن هناك بطاقات، ولا حالات تسلل. قبل ذلك، كان الرجال يلعبون مثل زيزو ويتفاعلون مثل "بوتو". بعد ذلك، تحوّلت اللعبة إلى شيء غريب تمامًا.
لا يستمع بوتو إلى الراديو ولا يلتفت إلى الصحف الرياضية. يريد فقط إعادةَ عدسات النظارة إليَّ، حتى عندما يكون مُتعَبًا. حتى عندما يأكله القُرَاد حيًّا.
من المستحيل ألّا تشعر بالسعادة عند مشاهدة تحركاته وقدراته الفنية. يحب لعب كرة القدم ولديه الشجاعة لتجربة أشياء جديدة حتى في الأماكن الضيقة. أشياء لا يستطيع بعض اللاعبين القيام بها حتى في التدريب، سيفعلها زيزو في المباراة.
لديه أعلى دقة تمريرات تقدمية في الدوري المصري (91.5%)، وسابع أعلى دقة تمرير نحو الثلث الأخير (81.8%) للاعبين تحت سن 27 عامًا، كما أن لديه ثالث أعلى معدل تمريرات مفتاحية لكل 90 دقيقة (0.8)، وأعلى تمريرات حاسمة متوقعة لكل 90 دقيقة (0.34)، ممّا يعني أنه يمنح الكرة لزملائه في مناطق جيدة من الملعب، في الوقت الذي يَبلغ فيه متوسط تمريراته الحاسمة 0.18 تمريرة لكل 90 دقيقة، ممّا يُوضّح مدى مشاركته في المراحل الهجومية، ومع ذلك يَجرِي "بالكرة" بمعدل 93 مترًا لكل 90 دقيقة، تركيبة غريبة، أليس كذلك؟!
لقد سجّل هذا الموسم 19 هدفًا مع الزمالك في الدوري المصري، وقدّم 14 تمريرة حاسمة، فيما بلغ معدل تسديداته 2.5 تسديدة لكل 90 دقيقة، معدل 1.05 من تلك التسديدات كانت على المرمى.
إن زيزو مثال على الصخرة والجليد والبحر كلها عناصر اجتمعت تحت عباءة لاعب كرة قدم، غامض مثل سترة جلدية غير لامعة. وكانت كرة القدم هي الإغراء، وكان زيزو هو الأكثر ملاءمة للإبحار.
على أرض الملعب، لم يكن ليُظهِر نفسه، ولم يره أحدٌ ليعلن قدومه، لكنه وصل كوميض التحدي في نهاية المعركة، كشعاع منارة يَظهر عندما تصبح الأمواج عاتية.
كانت عزيمته تحرث التربة لزملائه في الفريق لجني الثمار في أكثر البقاع القاحلة في بتروسبورت، الملعب الأولمبي بسوسة، الملعب البلدي بمدينة بركان، ملعب زيوي و11 نوفمبر.
عرف زيزو أن مطرقته قوية بقدر إرادته لمَنْ يرون الأفق ويبحرون فيه بلا هوادة.
بالعودة إلى الماضي، كُنّا نجلس لمدة ساعة أو ساعتين أخريين، على العشب، نتحدث عن لاعبينا وفرقنا المفضلة من أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونتكلم قليلاً عن حياة بعضنا البعض بعيدًا عن ملعب كرة القدم، حيث تلتصق الخرزات السوداء بأقدامنا، تنزلق وتتسابق مثل خيول عربة تحمل على متنها ثقل الخيال.
وجوه وردية تمتص الهواء، رؤوس مفعمة بالأمل، وعينان متسعتان، تبتسمان. لا يوجد حُكّام أو صافرات أو بطاقات أو ساعات أو ميداليات أو حشود لوقف الحدث.
أنا أستمتع بثروتي تلك. أشعر بالحنين إلى الماضي في كل مرة يلعب فيها زيزو. أنا عاشق لذلك المكان وتلك اللحظة من التاريخ.
في وقتٍ متأخرٍ من الليل، سيشارك الجميع قصص المعارك التي عاصروها. وعندما لا يتبقى أحدٌ ليتحدث، سأقف وأقول بكل بهدوء، لقد شاركت مع "بوتو" في تلك الليلة. وسوف تسمع صوت سقوط الإبرة على الأرض. سيكون هناك صمتٌ. نعم، لكنني سأكون سعيدًا.