أمال بلحاج
يتَّفق متتبعو الشأن الكروي على أن التسيير الكروي بدول شمال إفريقيا يظلُّ فاشلاً وعشوائيّاً بكل المقاييس، على الرغم من دخول دورياته عالم الاحتراف منذ سنوات عدة وبلوغ أنديته مراكز متقدمة؛ إذ تعجز الاتحادات والأندية عن رسم خارطة طريق مدروسة تحميه من كل الأزمات التي من الممكن أن يتخبَّط بها وتعيق مشواره الكروي، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول دور المسيرين والرؤساء، ومدى قدرتهم على تفعيل تسيير مُحكم.
وغالباً ما ارتبط التسيير الكروي في دول شمال إفريقيا على وجه الخصوص برجال الأعمال أو مَن يُسمَّون بـ"أصحاب الشكارة"؛ لامتلاكهم ميزانية مالية مهمة تجعلهم يعتقدون أنها وحدها كافية لتحقيق النجاح في مجال الكرة، وذلك في غياب تام للكفاءات و"الكوادر" التي من المفروض أن تتولَّى زمام التسيير وتضع كل خبراتها في تطوير كرة القدم، والمضي قدماً بالأندية نحو الأمام، بعيداً عن الأزمات التي من الممكن أن تكون عائقاً في طريقها.
ويعدُّ سوء التسيير من أكثر المشكلات التي تعاني منها الأندية في دول شمال إفريقيا؛ حيث باتت هذه الأخيرة غير قادرة على مسايرة الوضع أو وضع حدٍّ لمشكلاتها وأزماتها، بل على النقيض من ذلك تزدادُ غرقاً مع مرور كل موسم دون قدرتها على إيجاد حلٍّ للخروج من هذه الدوامة، ما يؤكد أن توفير السيولة المالية وحده غير كافٍ لتسيير فرق تبحث عن المنافسة على أعلى مستوى أو تحاول مسايرة الدوري الذي تلعب فيه، خصوصاً أن بعض المسيرين لا يمتلكون أيّ كفاءة علمية عالية أو مستوى دراسي يؤهِّلهم لشغل منصب رئيس.
ويرتبط الإخفاق الكروي الذي تعاني منه الكرة في شمال إفريقيا بغياب أهل الاختصاص، واستحواذ أصحاب المال على المراكز التسييرية مع عدم حصول أغلبهم على مؤهل علمي يمكِّنه من مزاولة هذه المهنة، وذلك في ظل غياب أي إطار يقنن المنظومة الرياضية، ما يجعل منها سوقاً يدخلها كل من اشتهى منصباً كروياً، أو قرر إبراز اسمه رغبة منه في قضاء بعض المصالح الشخصية أو ربما مضاعفة ثروته.
تغليب المصالح وإقحام السياسة في الرياضة
يبدو أنَّ من بين أسباب فشل التسيير الكروي كذلك في دول شمال إفريقيا، هو تغليب المسيرين للمصالح الشخصية، أو اعتماد الرياضة كطريق لبلوغ أعلى المراتب السياسية، وذلك من خلال صناعة اسم أو محاولة استعطاف عدد كبير من الجماهير لربح الأصوات والاستحواذ على بعض المناصب السياسية، أو التربُّع على عرش أحد الأندية من أجل كسب ثقة بعض الأحزاب ومنحهم شرف تمثيلها لتوسيع قاعدته.
وعلى الرغم من أنَّ الاتحاد الدولي والإفريقي يرفض تداخل السياسة بالرياضة، فإن هذه الممارسات لا تزال موجودة في أغلب الدوريات العربية، وهو ما يفسِّر فشلها وعدم قدرتها على ملاحقة الكرة العالمية وبلوغ أعلى مستويات التسيير الاحترافي، خصوصاً أن الوقت الحالي يتطلب تدبيراً محكماً وعقلانياً من أجل النجاح ومسايرة تطور المستديرة، التي باتت تحتاج إلى الكفاءة والعقل المدبِّر من أجل تغيير أسس التسيير في كل دولة.
التسيير الرياضي.. علمٌ يُدرَّس
بات التسيير الرياضي واحداً من الشعب التي تُدرَّس في الجامعات والمدارس الخاصة، تحضيراً لجيل قادر على تسيير المنظومة الرياضية بشكل احترافي وبعقلانية أكثر، وذلك بعيداً عن تطفل رجال الأعمال، وبحثاً عن تطوير الرياضة بشكل عام وكرة القدم على وجه الخصوص باعتبارها اللعبة الأكثر شعبية في العالم، كما أنَّ إمساك أصحاب الاختصاص بزمام الأمور قد يطوِّر المجال الكروي بشكل كبير، ويحدُّ من العشوائية التي ظلَّ يتخبَّط فيها على مرور السنوات وينهي زمن "الأمية التسييرية".
وتعجز أغلب الأندية عن إيجاد حلول ناجعة من أجل الخروج من الأزمات التي تسقط فيها، وذلك في ظلِّ غياب الكفاءة والخبرة اللازمة في تسيير الوضع دون تضرر الفريق أو تعريضه لخسائر كبيرة؛ إذ غالباً ما ارتبط اسم العديد من الأندية الكبرى بأزمات مالية خانقة على الرغم من تاريخها وتحقيقها إنجازات مهمة، فيما يظل فريق الرجاء البيضاوي أكثر الأندية تضرراً خلال المواسم الأخيرة بسبب سوء التسيير وتدخل أشخاص بعيدين عن المجال التسييري الكروي، بينما يحاول المكتب الحالي المُشكَّل من مجموعة من الكوادر إيجاد حلول ناجعة لإنهاء الأزمة في أقرب وقت ممكن، من خلال الاعتماد على مجموعة من الأساليب المتطورة، كـ"الماركوتينغ" والتسويق على المستوى العالمي وأساليب أخرى.