الكاتب: مسعود علّال
بات شغب الملاعب ظاهرة خطيرة تهدد كيان كرة القدم بل حتى المجتمعات؛ وذلك بسبب تشعّب مسببات هذه الظاهرة التي تحوّلت بمرور الوقت إلى "وحش" يأتي على الأخضر واليابس؛ إذ تسيطر صور العنف والتخريب والاعتداءات على الأشخاص والممتلكات على المشهد الكروي، لتبتعد اللعبة الأكثر شعبية عن مبادئها وأهدافها المبنية أصلاً على الروح الرياضية وضمان الفرجة والمتعة.
تحظى ظاهرة عنف الملاعب أو شغبها باهتمام بالغ لدى البلدان الرائدة في رياضة كرة القدم وفي مقدمتها دول أوروبا؛ إذ تعكف على دراستها وتحليل مسبباتها، وعملت جاهدة على إيجاد جملة من الحلول للتصدي لها أو الحد منها والتقليل من تفاقمها على الأقل، لكن على المستوى العربي يبدو الوضع أكثر سوءاً وصعوبة لجملة من الأسباب المتشعّبة.
استفحلت ظاهرة الشغب في الملاعب العربية في السنوات الأخيرة، ولم تمس كرة القدم فقط، وإنما امتدت لرياضات أخرى، ما يفسّر حجم التفكك الذي أصاب المنظومة الرياضية في البلاد العربية، خاصة في ظل التطورات والتغيرات الحاصلة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذه البلاد.
ومع هبوب رياح الربيع العربي على بعض البلدان، استفحل شغب الملاعب بها، وأخذ مكاناً له وسط المنظومة الكروية بالموازاة مع بروز مجموعات "الألتراس"، مثلما حصل بتونس ومصر وليبيا والجزائر على سبيل المثال، ففي ظل الاحتقان الحاصل على الساحة السياسية تقلّص وجود المشجعين بالمدرجات؛ خوفاً من أن يأخذ الغضب الجماهيري بعداً سياسياً خلال هذه المباريات، وينتهي بخروج الآلاف إلى الشوارع.
في الجزائر -مثلاً- التي عرفت طفرة على مستوى المنتخب الأول خلال العشر سنوات الأخيرة، بعد أن أبلى البلاء الحسن في مونديالي 2010 و2014، وتتويجه بلقب أمم أفريقيا 2019 بمصر، كان ينتظر أن يتسبب ذلك في إحداث القطيعة مع التعصّب والعنف، إلا أن المشهد كان أكثر قتامة مما كان؛ إذ تحولت الملاعب إلى حلبات للصراع، وغالباً ما تمتد لتصبح حرب شوارع، والنتيجة كانت سقوط قتلى وجرحى وسط المشجعين وتخريب الممتلكات.
لكن أبرز وأخطر حادثة كانت مقتل اللاعب الكاميروني ألبرت إيبوسي بوجونغو بالملعب أول نوفمبر بتيزي وزو شرقي الجزائر في شهر أغسطس من العام 2014 في مباراة بالدوري، وتسببت هذه الحادثة في تشويه المشهد الكروي الجزائري على المستويين الأفريقي والدولي.
ولا يختلف الحال في المغرب أو تونس ومصر والسودان والعراق والأردن التي تشهد دورياتها أحداث عنف وشغب خطيرة كانت نتائجها مأساوية ووخيمة، وبلغت إلى حد إزهاق الأرواح، على غرار مذبحة بور سعيد بمصر عام 2012 والتي راح ضحيتها أكثر من 70 مشجعاً، والمذبحة التي حصلت بملعب الدفاع الجوي عام 2015 والتي أودت بحياة 20 مناصراً، كما حصد العنف أيضاً ضحايا بالمغرب وتونس على هامش المباريات في السنوات الأخيرة، واستفحل في هذه الفترة بعدد من الدوريات العربية على غرار لبنان والعراق والأردن وسورية في امتداد مخيف لهذه الظاهرة المقيتة.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة
وبالعودة لأسباب هذه الظاهرة الخطيرة وتناميها بشكل مخيف، فإنها ترجع أساساً لغياب التوعية وثقافة الروح الرياضية، وتقبل الهزيمة لدى المنتسبين للكرة سواء جماهير أو إداريين، من خلال تبادل التصريحات النارية قبل المباريات خاصة الكبيرة منها أو الحاسمة، فضلاً عن أخطاء الحكام، مثلما يحدث في مباريات الديربي الأشهر في الوطن العربي على غرار ديربي المولودية والاتحاد في الجزائر، والرجاء والوداد في المغرب، والترجي والأفريقي في تونس، والفيصلي والوحدات في الأردن، والأهلي والزمالك في مصر، والهلال والمريخ في السودان، والقوة الجوية والزوراء في العراق، والهلال والنصر والاتحاد والأهلي في السعودية.
كما ترتبط ظاهرة شغب الملاعب أيضاً بأبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية خاصة أن الملعب هو المتنفس الوحيد للجماهير لإفراغ مكبوتاتها والتعبيرعن غضبها بسبب الفقر والظلم والحرمان الذي تعاني منه فئات واسعة من الشعب، ما يجعل تصرفاتها خلال المباريات عدائية تجاه أي شيء يصادفها، خاصة الفريق المنافس وجماهيره، وكذلك حكام المباريات.
وسائل التواصل الاجتماعي فضاء جديد لزرع الكراهية
يبرز دور وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كسلاح ذي حدين؛ إذ كثيراً ما تتورط بطريقة أو بأخرى في تأجيج الغضب، بل تتحول إلى فضاء لزرع الكراهية وإذكاء الفتنة والنعرات الجهوية والتفرقة بين الجماهير، بدلاً من التحلي بالحكمة واليقظة والحذر، وعدم الانسياق وراء هذه الممارسات، لإحباط كل المحاولات الرامية إلى زرع الفوضى والفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
وبالمقابل تبرز ببعض وسائل الإعلام ظاهرة سلبية أخرى، وهي التعصّب لصالح فريق على حساب آخر، وتُتَناقل التصريحات النارية بين اللاعبين والإداريين، خاصة قبيل المواعيد الكبيرة والحاسمة، ما يسهم في خلق مناخ متوتر يلقي بظلاله على هذه المباريات.
العنف "يهزم" الحكومات
وقصد مجابهة "إرهاب الكرة"، استنفرت الحكومات قواها واستعانت بكل الأطراف الفاعلة أملاً في الوصول إلى نتائج تؤدي إلى كبح العنف والشغب، ومن بين الحلول التي لجأت إليها الحكومات والهيئات الرياضية، تنظيم الملتقيات والتجمعات للتوعية بمخاطر عنف الملاعب، إضافة إلى إطلاق جملة من الإجراءات والقوانين الرادعة على غرار منع حضور الجمهور في المباريات أو التقليل من وجودها، بجانب تسليط عقوبات تصل إلى حد الهبوط للدرجة الدنيا وغرامات مالية كبيرة على الأندية ونقل المباريات إلى خارج ملاعب النوادي المضيفة ونصب كاميرات المراقبة بأبواب الملعب والمدرجات.
لكن ومع ذلك لم يتم التحكم في الوضع بسبب تسرب الشماريخ والألعاب النارية وحتى الأسلحة البيضاء والمخدرات والمهلوسات، كما لجأت الحكومات إلى سن قوانين تجرّم العنف، وقامت بإعداد القوائم "السوداء" للمشجعين المشاغبين، وغدت تقضي بحبسهم لفترات متفاوتة.
كما حاولت الهيئات الرياضية برفقة بعض الجمعيات الشبابية، استنساخ بعض التجارب الأوروبية للحد من ظاهرة العنف، لكنها فشلت جميعها، كما فشلت أيضاً خطط إنشاء روابط للمشجعين على مستوى الأندية قصد تأطير الجماهير وتنظيمها.
لكن كل المحاولات باءت بالفشل للأسف، لعدة أسباب؛ أهمها عدم استجابة الفاعلين في مجال الكرة، وسوء التقدير والتخطيط، وغياب الخبرة في التعامل مع هذه الظاهرة، على الرغم من الاستعانة في مرات عديدة بالخبرات والتجارب المحلّية وحتى الأوروبية الرائدة في هذا الميدان على غرار إنجلترا وفرنسا وإسبانيا.