مسعود علّال
عاد شبح الفساد ليخيّم مجددا على منظومة كرة القدم في الجزائر وذلك بالرغم من تجميد المنافسات بسبب انتشار وباء "كورونا"، منذ شهر مارس/آذار الماضي، وركون كل النوادي الرياضية للراحة الاجبارية، حتى موعد استئناف الدوري، إذ شهد منتصف شهر مايو/أيار تفجير أزمة جديدة تمس بسمعة الدوري الجزائري ونزاهته، بعد أن تم تسريب تسجيل صوتي لشخصين ينتسبان لقطاع كرة القدم، وأشار هذا التسجيل بوضوح إلى ترتيب نتائج مباريات وتحديد "مسبق" لهوية الأندية التي ستسقط إلى الدرجة الثانية، وكذلك التي ستنافس على اللقب.
تلقت أسرة كرة القدم في الجزائر صدمة قوية جديدة في شهر رمضان الماضي، تضاف إلى سلسلة طويلة من قضايا "الفساد" التي تنهش المنظومة الكروية منذ سنوات عدة، إذ انتشر التسجيل الصوتي كالنار في الهشيم في مواقع التواصل الاجتماعي وبوسائل الإعلام المحلية، واتضح فيما بعد بأن طرفا التسجيل "المحرّض" على الفساد هما المدير العام لفريق وفاق سطيف فهد حلفاية، كذلك وكيل أعمال لاعبين يدعى نسيم سعداوي.
وتسبب هذا التسجيل في حالة طواريء بمختلف الهيئات الكروية على غرار الاتحاد الجزائري للعبة ورابطة دوري المحترفين، خاصة بعد أن تدخلت وزارة الشباب والرياضة في الموضوع ببيان نددت فيه بهذه الممارسات، ورفعت دعوى ضد مجهول على مستوى العدالة، للتأكد من صحة التسجيل ومن ثم متابعة المتورطين قضائيا، وبالفعل أصدرالاتحاد والرابطة أيضا عدة بيانات تشجب هذه الممارسات، متعهدة بمحاسبة المذنبين في حال اثبات وجود تلاعبات وتجاوزات.
وأخذت هذه القضية أبعادا أخرى، وتشعبت تفاصيلها، بعد مثول كل من رئيس الوفاق ووكيل الأعمال أمام لجنة الانضباط والأخلاق لسماع أقولهما، إذ ادعى كل منهما "البراءة"، وقال رئيس الوفاق في تصريحات للصحافة المحلية بأنه ضحية تسجيل "مركّب"، وهدد بكشف الكثير من الحقائق التي ستميط اللثام عن متورطين جدد، بينما أكد وكيل الأعمال بأن التسجيل "صحيح" ولا تشوبه أي شائبة.
رفض قاطع لـ"دفن" قضايا الفساد ومطالب بمعاقبة المتورطين
وبينما قرر الاتحاد الجزائري للعبة استدعاء المشتبه بهما للجنة الأخلاق على مستوى الاتحاد، قات رابطة الدوري باستدعاء مسؤولين اثنين آخرين لسماع أقوالهما بعد ذكر اسم فريقيهما في التسجيل الصوتي، ويتعلق الأمر برئيس فريقي اتحاد بسكرة عبد الله بن عيسى ونظيره من فريق أهلي البرج أنيس بن حمادي، وأكد رئيس اتحاد بسكرة، عبد الله بن عيسى، عقب مثوله أمام لجنة الإنضباط، قائلا:"تلقيت اتصالا من أحد الأشخاص لترتيب مباراة فريقي أمام وفاق سطيف، لكن لا يمكنني ذكر اسمه لأن القضية أمام العدالة"، وتابع قائلا بأن فريقه لعب المباراة بنزاهة، ولكنه في النهاية خسر ميدانه.
ويترقب ألا تتوقف الأمور عند هذا الحد، و"دفن" هذه القضية الخطيرة دون متابعات أو حساب، مثلما حدث في المواسم الرياضية السابقة، خاصة وأن الشكوى التي أودعتها وزارة الشباب والرياضة لدى القضاء الجزائري، لا تزال سارية والاجراءات القانونية تأخذ مجراها الطبيعي لمحاسبة المذنبين، بعد أن تعهد الوزير سيد علي خالدي على مضيه قدما لأجل محاسبة "الفاسدين"، فضلا عن بلوغ هذه القضية مسامع الاتحاد الدولي للعبة "فيفا"، إذ كشف الاتحاد الجزائري في بيان بأن مسؤولين من "فيفا" تواصلوا معه بشأن هذا الأمر.
حقائق صادمة واعترافات خطيرة
وكان المشهد الكروي الجزائري قد شهد في السنوات الماضية انتشارا فظيعا للفساد الذي طال مسابقات طال الدوري بكل أصنافه، وامتدّ صدى هذا الفساد عالميا، ففي نهاية 2018 كشف تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عن حقائق صادمة حولرشى وشراء ذمم الحكام والتلاعب بنتائج المباريات، وذلك عبر "إنشاء" سلّم أسعار يحدد ثمن "شراء" ركلة جزاء و الفوز وحتى التعادل، ونقل التحقيق شهادات لأشخاص متورطين في "التلاعب".
كما سبق لرؤساء أندية الاعتراف بالتورط في هذه الممارسات، منهم رئيس فريق اتحاد الشاوية عبد المجيد ياحي، ورئيس اتحاد عنابة السابق عبد الباسط زعيم الذي اعترف بشراء ما قيمته 700 ألف دولار أميركي لبعض المباريات قصد صعود فريقه إلى دوري الدرجة الثانية، بينما اعترف الرئيس السابق لاتحاد بسكرة ابراهيم ساعو علانية خلال جمعية عمومية للاتحاد بأن "الكل يبيع والكل يشتري"، وسار على خطاه الرئيس السابق لفريقي وفاق سطيف واتحاد العاصمة عبد الحكيم سرار، الذي صرح لوسائل الإعلام في وقت سابق بأنه "لا يوجد أبدا شخص لمن تتلطخ يداه بالفساد في الكرة الجزائرية".
وورّطت مجلة "فرانس فوتبول" الكرة الجزائرية مجددا في عام 2018 عبر تقرير ضم أمورا صادمة ومنها تفاصيل الأموال المصروفة على الفساد، ونقلت المجلة تصريحات لأحد الشهود الذي أكد تورط رؤساء الأندية والحكام واللاعبين والجماهير في ترتيب نتائج المباريات.
رئيس اتحاد الكرة في قلب الاتهامات
كما طالت هذه الاتهامات أيضا رئيس اتحاد الكرة الجزائري خير الدين زطشي من طرف مدربين ورؤساء أندية اتهموه بتشجيع الفساد في الفترة التي كان يرأس فيها نادي بارادو وكذلك منذ رئاسته الاتحاد في ربيع العام 2017، وتبادل رؤساء الأندية أيضا تهم الفساد وأبرزهم رئيس شبيبة القبائل شريف ملال والرئيس السابق لشباب قسنطينة طارق عرامة، إذ انتشر العام الماضي تسجيل صوتي عبر مواقع التواصل يشير بوضوح إلى اتفاقهما على ترتيب نتائج إحدى المباريات الحاسمة لتحديد بطل الدوري، لكن ذلك مر دون عقاب مثله مثل قضايا كثيرة.
وامتدت أذرع الفساد إلى المراهنات المشبوهة على مباريات الدوري الجزائري، إذ كشفت تقارير صحافية فرنسية في العام الماضي عن إيقاف 7 مراهنين بفرنسا، إثر شكوك بالتلاعب بنتيجة مباراة وفاق سطيف ودفاع تاجنانت فقبل 3 مواسم، إذ شهدت تلك المباراة تسجيل 3 ركلات جزاء من أصل 5 أهداف، ودفع ذلك الأمر اتحاد اللعبة لإنشاء هيئة خاصة لحماية "نزاهة" اللعبة من الفساد الذي استشرى في الكرة الجزائرية دون حسيب أو رقيب.