فريق الرجاء المغربي العالمي خرج صفر اليدين، خالي الوفاض خلال هذا الموسم محليا وقاريا، بعد خروجه المذل في إياب ربع نهائي دوري أبطال أفريقيا، أمام حرفية الأهلي المصري وحنكته. سقط من كل البطولات مبكرا وخسر كل الألقاب، وتبقى منافسات كأس العرش المتنفس الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الرجاء حاليا يتنفس بصعوبة تحت الماء، ولا يمكن لكل مكونات الرجاء البيضاوي أن تتنفس تحت الماء بالتأكيد، فاحتجاز الأنفاس تحت الماء ليس مجرد لعبة أطفال؛ لأن كافة أجهزة الجسم تتأثر!
لكن للأسف ليس هناك من معنى على مرور الرجاء من النقيض إلى النقيض، من فريق قال رئيسه الحالي عزيز البدراوي إنه سيكسر كل الأرقام وسيكون أول فريق مغربي يحاكي كبار الأندية العربية والأفريقية بالوصول إلى موازنات مالية، إلى فريق يقول إن المديونية أنهكته، وليس هناك من شيء نستنتجه من هذا الانقلاب الخطير، سوى أن ما يُبنى على وَهْم لا يمكن إلا أن يكون سرابا، ومن لا يحترم القواعد الصارمة ماليًا والتدبير الاحترافي لشأن فريق بحجم الرجاء، لا يمكن إلا أن يقوده في ظرف زمني قياسي إلى المأساة التي نحن في خضمها.
وليس هناك من صورة تترجم حجم البلاء وعظم المصيبة التي يعيشها فريق الرجاء، أكثر من أن كل اللاعبين ينتظرون مستحقاتهم، وطالبوا الرئيس بتسديدها، قبل مواجهة الأهلي المصري، لكن تمت مواجهتهم بعبارة (الصندوق فارغ كالعادة).
للأسف فأحكام الاحتراف تفرض فرض عين أن يصبح الرجاء الذي كنا نعتبره نموذجا، تحت طائلة الديون والإفلاس.
بالأمس استنجد المكتب المديري لنادي الرجاء الرياضي لكرة القدم، إلى خلق مبادرة تحت شعار "رجامعانا"، وذلك من خلال فتح المجال أمام جمهور النادي للمشاركة في "سجل" للمشجعين، لجمع تبرعاتهم وإسهاماتهم للنادي، وأسهمت الجماهير بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكانت في الموعد كعادتها فأسهمت بالرغم من اكتواء جيوب الجماهير من غلاء المعيشة على قدر جيوبهم.. لكن للأسف ظل الوضع على ما هو عليه، لا شيء تغير، ظل الوضع رماديا، لا يُبشر بخير، وأمام هذا الوضع لا بد من صيغة لوقف هذا الهذيان والهلوسة التي ترمي بالأندية التي نعتبرها مؤسسات ذات منفعة رياضية وقومية واجتماعية، إلى أفران تحترق فيها الهوية.
فالرجاء لا ينحني أبدًا على الرغم من كل الظروف والمحن، لن تسقط أيها الأخضر العريق؛ لأن وراءك جماهير عظيمة.. فأنت رفيق عمرهم.. وثنايا وأحاسيس أنفسهم.. ومسكن روحهم وأملهم.. وجبال العشق الراسيات.. أنت جدول كفاح وطني منذ المقاومة من أجل استقلال المغرب، وإنجازات وصعود وكبوات.. وعشق الانتماء الأبدي لهذه الجماهير.. الذي لن ينزوي أو يتلاشى على الرغم من كل "الكبوات".
وإذا كان لكل فريق جمهور، فالرجاء له شعبٌ، على حد قول الأرجنتيني الراحل أوسكار فيلوني مدرب الرجاء سابقًا.
الجمهور (الشعب) الذي يمثل الثقافة المغربية بلونها الصارخ والمتعدد والمتسامح، والصوت القوي الذي تجاوز صوت المثقف في الخط التحريري، وصوت السياسي الذي لا نسمع صوته إلا في الحملات الانتخابية، بعدما أصبحت شعارات جمهور الرجاء وأغانيهم في السنوات الأخيرة تحمل رسائل اجتماعية راقية.. إلى من يهمهم الأمر.
نتائج الرجاء حاليا لا تتماشى مع عراقته وتاريخه، فقد ودع أبطال أفريقيا ويتأرجح في مركز لا يشرف في الدوري المغربي، بعدما تعود على البطولات والأمجاد، وها هو حاليا في قوقعة مظلمة، في انتظار البدر الذي لا يطلع إلا إذا شقّ رداء الليل والفجر لا يدرج إلا من مهد الظلام.
لذلك فإن برلمان الرجاء (المنخرطون) يستبق الزمن لإحياء النسر الرجاوي قبل أن يموت ويجهز الفريق لعملية تجميلية قيصرية عاجلة تعيد المظهر اللائق للأخضر الصيف المقبل حتى يدخل الموسم القادم على أتم الاستعداد للمنافسة على كل الواجهات، وذلك بتلقيحه من أي فيروس شك.
وإنقاذ الفريق من الموت يبدأ بضخ دماء الشباب في صفوفه إداريا وتقنيا، والتخلي عن الخلايا النائمة بصفقات مدوية في الميركاتو الصيفي.. بدل اجتماع عاجل بين رئيس النادي عزيز البدراوي، والمدرب منذر الكبير، لتدارس أسباب الخسارة، وهنا تحضرني قصة المثل المغربي "طاحت الصومعة علقوا الحجام"؛ أي سقطت الصومعة، اشنقوا الحلاق، وهو مثل يستعين به المغاربة كلما أرادوا التعليق على حكم ظالم اتخذ في حق شخص مظلوم لا حول له ولا قوة، في حين أن الجاني الحقيقي طليق.
آخر الكلام وصفة علاجية
لا تنحنِ أيها الرجاوي.. ولا تتلاشَ، قف صلبًا صامدًا كما كنت دائمًا، وتحمَّل كل الأسى والمآسي.. فأنت شغوفٌ بلا عزوف.. تُسعد بك النفوس.. لا تنحنِ ولا تنزوِ، فأنت طودٌ وأسلوبُ حياة جميلة، ونبضُ العشق الأخضر.. الذي اشرأبَّت له جميلات النفوس عقودًا، تتلوها عقودٌ من المجد والعطاء.
ستظل رمز صمود أمام ما اقترفه "العابثون" بتاريخك ومسيرتك، وما تتلقاه من وخزات وضربات ممَّن ادعوا الانتماء إليك زورًا وبهتانًا، على الرغم من كل ادعاءاتهم وخبايا وفداحة ما فعلوه بالأخضر الجريح.. ويحاولون التستر وراء ثوب شفاف.. مرة باتهام الاتحاد المغربي، وتارة أخرى بوجود كائنات تعرقل مسيرة الفريق.. وهي كلها مراوغات تافهة وساذجة؛ لأنكم أمام وعي جمهور رجاوي حضاري ومتألق عالميا لا تنطلي عليه مثل هذه التفاهات.
صمود الرجاء من صمود جماهيره، التي تقف مع ناديها الحبيب، وتشدُّ من أزره حتى تنجلي أزمة الأخضر الحالية، ويعود الكيان الرجاوي العالمي العريق إلى طبيعته الراسخة، ويواصل حصد البطولات.