انقبضتْ قلوب المصريين واسترجعتْ بمرارةٍ ذكريات كارثة "فبراير الأسود" عندما ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بعددٍ من الفيديوهات القصيرة تتضمن مشاهد لمحاولات اعتداء جماهير الإسماعيلي على حافلة جماهير الأهلي أمام مدخل استراحة "واحة العرب" على الطريق المؤدي إلى استاد برج العرب بالإسكندرية.
حادثة وقعت قبل لقاء الأهلي والإسماعيلي في الدوري المحلي، علمًا بأن مواجهات الفريقين باتت تُقام -منذ سنوات- على ملعبٍ محايدٍ لدواعٍ أمنية على خلفية حالة الاحتقان العميقة بين جماهير الناديين الكبيرين، تلك الحالة التي صنعها ورسّخها الإعلام الرياضي المصري بامتيازٍ لسنوات، وجعل العلاقة بين جماهير الناديين عدائيةً جدًّا.
والحقيقة، إن تلك الفيديوهات أعادت ذكريات كارثة "فبراير الأسود" وسقوط 74 من أنصار الأهلي قَتلى في مدرجات استاد بورسعيد في الأول من فبراير عام 2012، تلك الكارثة التي خلّفت ظلالًا قاتمةً على كرة القدم المصرية وحوّلت مدرجات كل الملاعب إلى أكبر "عش" للغربان لسنوات طويلة.
كان المتهم الأول في كارثة "فبراير الأسود" هو الإعلام الرياضي المصري الذي كان وما زال يُزكي نار العداء بين جماهير الأهلي وجماهير أندية مدن خط القناة "بورسعيد، الإسماعيلية، السويس"، وحتى اليوم، ما زال بعض الإعلاميين وعدد من نجوم الكرة المعتزلين من أندية بخلاف الأهلي يحاولون "سكب البنزين على النار" كما يقول المثل الشعبي المصري الدارج.
نرى دائمًا مُقدّمي برامج يتساءلون بخبثٍ شديدٍ: "لماذا لا يلعب الأهلي في الإسماعيلية أو بور سعيد؟" وهم يدركون أن الأمر لدواعٍ أمنيةٍ، وسار مِن خلفهم نجوم سابقون يُرددون السؤال ذاته بداعٍ مفاده أن عدم خوض الأهلي لمبارياته في مدن القناة في وقتٍ يذهب فيه الزمالك للعب هناك يُخِلّ بمبدأ العدالة في المنافسة، ويتناسون عن عمدٍ أن إقامة تلك المواجهات الجماهيرية في ملاعب محايدة لا يمنح الأهلي أيّ امتيازٍ خاصٍ؛ لأنه يحرم من خوض أيٍّ من مباراتي الذهاب والإياب في عقر داره ووسط أنصاره.
شبح كارثة "فبراير الأسود" أطلّ بوجهه الدامي المرعب بعد حادثة "واحة العرب"، بعدما عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصورٍ لمشجعين للنادي الإسماعيلي يتوعدون في أثناء إحراقهم علم الأهلي ويدهسون بأقدامهم على قمصان الأهلي وشعاره، لِتردّ عليهم جماهير الأهلي بذات الطريقة، في سيناريو كربوني ممّا حدث بين جماهير الأهلي وجماهير المصري البورسعيدي ليلة وقوع كارثة 2012، وهي الجريمة التي تمّت برعاية الإعلام الرياضي الذي تسابق ليلتها وتطوّع بدق طبول الحرب بعدما تسابق في نشر رسائل التهديد والوعيد بين جماهير الناديين.
حادثة "واحة العرب" والتي كانت على بُعد لحظات من التحول إلى كارثة تُسفِر عن مقتل عدد من جماهير الناديين وربما نشاهد نسخةً حقيقيةً من الفيلم العربي "دماء على الأسفلت" لولا تدخُّل الأمن ونجاة جماهير الأهلي من مصير زملائهم في مدرجات استاد بورسعيد، مرّت الحادثة مرور الكرام، وإنْ كانت رابطة الأندية عاقبت جماهير الإسماعيلي بالحرمان من حضور المباريات لنهاية الموسم الذي بات على خط النهاية.
ويستمر الإعلام ويواصل مهمته المقدسة في النفخ في كير العَداء دون رادعٍ ولا رقيبٍ، فيما تستمر حرب "اللجان الإلكترونية المأجورة" علي مواقع التواصل الاجتماعي.. ليضع الجميع أيديهم على قلوبهم في انتظار "فبراير أسود جديد".