أفردتْ مجلة (Four Four Two) الإنجليزية الشهيرة، حيّزًا كبيرًا من صفحات عددها الماضي للنجم الهجومي الكبير الإنجليزي هاري كين، ولم تدع بابًاً أو نافذةً للتسلل إلى حياته أو أسرار نجاحه، أو تواصل عطائه الثري، إلا وطرقته!
أسَـَرتني الروح المُبسَّطة التي تحلّى بها نجم "السبيرز" وهو يرد على كل سؤال. فبرغم أنه باتَ على بُعد أربعة أهداف من الانفراد بموقع الهداف التاريخي الأول لمنتخب إنجلترا على مرّ العصور (لديه خمسون هدفًا ويتأخر بثلاثة أهداف عن المتصدر واين روني)، فإنه رفض أن يُقارَن بغيره من النجوم الأفذاذ، كما أنه رفض أن يُطلق عليه المزيد من الألقاب، فالغاية والهدف والهاجس لديه أن يُطوِّر أداءه أمام المرمى، وأي لقب يُقرِنه النقاد به لن يكون ساندًا أو مفيدًا على هذا الصعيد!
يَمسّ كين هنا العصب الحساس، إذ إن كُتّاب الرياضة في العالم يميلون إلى إطلاق الألقاب.. بحسابٍ ومن دون حسابٍ.. بموضوعية شديدة وبأفراطٍ عجيبٍ، حتى يبدو لنا وكأنّ الإعلام الرياضي لم يدّخر لقبًا أو صفةً أو نعتًا إلا وأطلقها على نجم مبدع أو لاعب ممسوخ!
إنه التخصص الذي يريد كل كاتب في هذه المعمورة أن يمارسه -ولو دون علم أو وعي أو دراية- ففي إنجلترا وحدها، أطلقت الصحافة (19) لقبًا جديدًا ومبتكرًا على لاعبي الدوري الإنجليزي في الموسم الماضي وحده، أضيفت إلى حصاد الألقاب الموروث على مدى عشرات السنين!
لكن الثابت هنا، وفقًا لما تقوله إحدى الدراسات التي نشرتها صحيفة (ذا صن) الشعبية الإنجليزية، أن الصحافة بدأت تتريث خلال المواسم الماضية في إطلاق الألقاب وأنها باتت أكثر تهذيبًا في التعامل مع مردود النجوم، ولهذا صارت ألقاب من قبيل (الساحر) و(الأمير) و(المتوهج) تطغى وربما تكون القاسم المشترك في العديد من الدول الشهيرة في مجال كرة القدم!
بيد أن ما يُعاب في ظاهرة الألقاب الكروية، أن فيها كثيرًا من الانطباعية والكيفية التي تضيع فيها الخطوط الفاصلة بين النقد الموضوعي وعاطفة المشجع والتي تنهمر في لحظة حزن طاغٍ أو سعادةٍ ملهمةٍ فيبدأ مسلسل إطلاق الألقاب دون خشية الوقوع في المبالغة!
البرازيلي بيليه أو كما يُلقَّب بـ"الجوهرة السوداء"
حتى الألقاب التي تسيئ للاعب رياضيًّا واجتماعيًّا ولا ترقى به إلى مصاف رفيعة، باتتْ (مطلوبةً) لدى نفرٍ من الرياضيين الذي يحبون الظهور فحسب. ومن الذاكرة الصحفية الرياضية وُجِد أن هناك لاعبًا أظهر فرحًا بأكثر الألقاب إثارةً للسخرية والضحك وهو البرازيلي أدموندو الذي أطلقت عليه الصحافة ذات يوم لقب (الحيوان) لكثرة مشاكله مع اللاعبين والمدربين.. وبين ما نشرته الصحافة وقتها أن اسمه ظهر بين 139 سائقًا صدر ضدهم قرار بإلغاء تراخيص قيادة السيارات لمدة عامين بسبب حصولهم على الحد الأقصى من مخالفات السير وهو 219 مخالفة!
إنه الولع بأي لقب وبأي معنى.. بينما يبقى الأصل أن هذه الألقاب يجب ألّا تخرج عن دائرة التهذيب، والدليل أن مشجعينا في معظم الملاعب العربية يطلقون هذه الألقاب ويرددونها على المدرجات من دون أن تطالهم كلمة اعتراض، كما أن هذه الألقاب بسهولتها وبساطتها أضافت بُعدًا تشجيعيًّا رائعًا للمباريات.. لهذا يُفاخِر (الملك) بيليه الآخرين بلقب (الجوهرة السوداء) وقد ظل اللقبان قرينين به حتى يومنا هذا!
مارادونا: الساحر.. أشدّ الألقاب قربًا إلى قلبي
الراحل مارادونا نجم الكرة الأكثر إبهارًا في رأييّ على مرّ العصور قال قبل وفاته بأسابيع: إن لقب (الساحر) أشدّ الألقاب قربًا إلى قلبي.. لكنني أذكر الكثير من تلك المُسمّيات الشامتة والشاتمة التي أطلقها النقاد ضدي حين كنت لاعبًا.. وحين أتذكرها اليوم، أدرك في أي مرحلة كُنّا نعيش، وكيف باتت الألقاب اليوم مهذبةً حتى لو كانت تحمل مضمونًا قاسيًا!