في عام 1960، ضرب زلزال مدمر دولة تشيلي، لكن ذلك لم يحل بينها وبين تحقيق حلمها باستضافة كأس العالم 1962 لكرة القدم، بنسخةٍ طغت عليها خشونةُ عنيفة، وشحّ تهديفي، وتطيّر برازيلي منحها نجمةً ذهبية ثانية، رغم مشاركة الجوهرة بيليه في مباراتين فقط بداعي الإصابة.
"لأننا لا نملك شيئاً، سنقوم بكل شيء"، بهذه الكلمات نجح التشيلي كارلوس ديتبورن بإقناع الاتحاد الدولي منذ 1954 بقبول ملف بلاده الفقيرة، فتغلّبت على الأرجنتين "الجاهزة للاستضافة" بـ32 صوتاً مقابل 11، بعد نسختين في أوروبا.
حصل ديتبورن الذي ترأس اتحاد أميركا الجنوبية (كونميبول) على دعمٍ حكومي، وعُيّن رئيساً للجنة المنظمة، لبناء ملعب يتسع لـ75 ألف متفرّج، لكن ما حصل في 21 أيار/ مايو 1960، قبل عامين من صافرة البداية، لم يكن أبداً في الحسبان.
في ذلك الوقت ضرب البلادَ زلزالٌ بلغت قوته 9.5 درجة، وهو الزلزال الأعنف في القرن العشرين؛ إذ ذهب ضحيته ما يزيد عن 3 آلاف شخص وخلّف مليوني مشرّد، مُحدثاً دماراً كبيراً في عدة مدن مستضيفة للمونديال؛ مثل كونسيبسيون وتالكا وفالديفيا.
وسرعان ما هدّد فيفا بسحب التنظيم من تشيلي، لكن ديتبورن المعروف بشخصيته القوية، وجّه نداءً وجدانياً، قائلاً: "لم نعد نملك شيئاً؛ لذا نريد استضافة كأس العالم"، لتهب المساعدات من كل أنحاء العالم، لكن فصلاً جديداً أذهل التشيليين قبل شهر من بداية البطولة، بعد وفاة ديتبورن عن عمر يناهز الـ38 عاماً بنوبة قلبية!
معركة سانتياغو
الإبقاء على استضافة تشيلي الفقيرة لم يُعجب كثيرين خصوصاً الطليان؛ إذ شنّت صحافتهم حملة لاذعة على الدولة الأمريكية الجنوبية "المتخلّفة" بمقالات أهانت كرامة أبنائها وعرضهم، ما مهّد لـ"معركة سانتياغو".
بعد 8 دقائق على مواجهتهما في الدور الأول، والتي انتهت بفوز تشيلي بهدفين متأخرين، أمام 66 ألف متفرّج راغبين بالثأر من مهانة الطليان، حصل عراك طُرد على إثره جورجو فيرّيني، فتوقفت المباراة 10 دقائق، ولم يترك الإيطالي الملعب سوى بعد تدخل رجال الشرطة.
وفيما كُسر أنف الإيطالي أومبرتو ماسكيو بضربة كوع، فنشب عراك جديد قبل الاستراحة بين ليونيل سانشيس والإيطالي ماريو دافيد، انتهى بطرد الأخير.
لم تقتصر المعارك على تلك المباراة، فالظهير الأيمن السوفياتي، إدوارد دوبينسكي، كُسرت ساقه خلال مواجهة يوغوسلافيا، وهو اللاعب الذي توفي بعد سنوات قليلة متأثراً بمضاعفات إصابته.
نسخة برازيلية طبق الأصل
بمشاركة 16 منتخباً بينهم 10 منتخبات أوروبية، انتهت أربع مباريات بالتعادل السلبي في الدور الأول، فتوقف عداد الأهداف عند 89 هدفاً، مقابل 126 في نسخة 1958 و140 في 1954، حتى البرازيل بدّلت خطتها من 4-2-4 إلى 4-3-3، فيما تبنّت المنتخبات الأوروبية خطة "كاتيناتشو" الدفاعية المطبّقة من قبل نادي إنتر ميلان الإيطالي.
وعملاً بمبدأ "عدم تغيير الفريق الفائز"، مثّل البرازيل في النهائي ضد تشيكوسلوفاكيا 8 لاعبين ممن خاضوا نهائي 1958 في السويد، لكن التطيّر وصل إلى حد اعتماد نفس الجهاز الفني تقريباً، إضافة إلى اللباس، والطائرة وطاقمها، ولم يستخدم منتخب "السيليساو" سوى 12 لاعباً طوال البطولة.
لقطات من نهائي مونديال 1962
وبعد بداية واعدة لنجم النسخة السابقة بيليه، وتسجيله أمام المكسيك، تعرّض لإصابة قوية بفخذه في المباراة الثانية ضد تشيكوسلوفاكيا أبعدته عن باقي المباريات.
ومع إصابة بيليه، أخذ الموهوب غارينشا دوره حاملًا العبء الهجومي، فكان أكثر فاعلية، بالإضافة إلى تسجيله أربعة أهداف بواقع ثنائيتين؛ ضد إنجلترا (3-1) في ربع النهائي وتشيلي (4-2) في نصف النهائي.
لكن نجم البطولة طُرد بعد تسجيل الثنائية، ليتقدم رئيس وزراء البرازيل تانكريدو نيفيش بالتماس للجنة تقييم تابعة للفيفا، ما سمح له بخوض النهائي والتتويج، ليصبح "العصفور الصغير" مع مواطنه فافا، أحد 6 لاعبين يسجلون أربعة أهداف ويتصدرون ترتيب الهدّافين في هذا المونديال.
الصدر الفولاذي
لكن غارينشا كان أقل لمعاناً في النهائي ضد تشيكوسلوفاكيا، فاتحاً باب التسجيل لأماريلدو بديل بيليه، فانتهى النهائي على سفوح جبال الأنديس برازيلياً 3-1، فيما حاول بيليه اللعب لكنه شعر بآلام رهيبة في التدريبات، ليذهب إلى الشاب أماريلدو، قائلاً: "الله منحك موقعي. يجب أن تكون على قدر هذه الثقة".
أما فافا، صاحب لقب "الصدر الفولاذي" (بيتو دل آسو) نظراً لصلابته البدنية، فكان اللاعب الوحيد في تلك الحقبة الذي يسجل في نهائيين متتاليين، وأحد أربعة لاعبين سجلوا في نهائيين مع مواطنه بيليه (1958 و1970) والألماني بول برايتنر (1974 و1982) والفرنسي زين الدين زيدان (1998 و2006).
في المقابل، صنعت تشيكوسلوفاكيا المفاجأة ببلوغها النهائي، بفضل تصديات حارسها فيليام شرويف، لكن ولسخرية القدر تسبّبت هفواته القاتلة في خسارة منتخب بلاده المباراة النهائية التي أُقيمت في يوم خريفي لطيف.
بوشكاش إسباني!
وشهدت نهائيات 1962، مشاركة بعض النجوم مع منتخبات جديدة؛ إذ لعب فيرينتس بوشكاش لمنتخب إسبانيا بعد قيادته المجر إلى نهائي 1954، ليكون أول لاعب أوروبي يدافع عن بلدين في النهائيات، فيما كان الأرجنتيني ألفريدو دي ستيفانو قريباً من تمثيل إسبانيا أيضاً لولا الإصابة التي حرمته من تحقيق ذلك، كما حمل ألون لا روخا الأوروغوياني وخوسيه سانتاماريا.
وشهد المربع الذهبي تأهل تشيلي المضيفة بعد تخطيها الاتحاد السوفياتي بطل أوروبا مع حارسه "العنكبوت الأسود" ليف ياشين 2-1، فيما أقصت يوغوسلافيا منافستها ألمانيا الغربية بهدف، قبل خسارتها أمام تشيكوسلوفاكيا 1-3.
كلب غريفز وغارينشا
ارتبط اسم الإنجليزي جيمي غريفز بواحدة من أشهر الحوادث أمام البرازيل؛ إذ اقتحم كلب شارد الملعب، فتدخّل غارينشا لإيقافه دون أن ينجح، لكن المهاجم الإنجليزي تمكن من تثبيت الكلب، معلقاً على هذا الأمر بالقول: "أوقف الحكم المباراة، ولم يتمكن أحد من التقاط الكلب، جثوت على ركبتي ويدي، كوني أحب الكلاب واستدعيته. فحظيت بتشجيع حار من الجماهير والتقطت الكلب، وفيما كنت احتضنه تبوّل على قميصي".
وتابع: "في تلك الأيام لم يكن لدينا قمصان احتياطية، ففاحت مني رائحة كريهة. على الأقل بقي مدافعو البرازيل بعيدين عني"، وبينما قرر غارينشا اصطحاب الكلب معه إلى البرازيل مطلقاً عليه لقب "بي" (بيكامبيوناتو) نسبة إلى إحراز البرازيل لقبها الثاني توالياً، اشتهر غريفز في بلاد "السامبا" بـ"الرجل الذي التقط كلب غارينشا".
النتائج الكاملة من كأس العالم تشيلي 1962
دور المجموعات
المجموعة الأولى
- الأوروغواي- كولومبيا (2-1)؛
- الاتحاد السوفياتي- يوغوسلافيا (2-0)؛
- يوغوسلافيا- الأوروغواي (3-1)؛
- الاتحاد السوفياتي- كولومبيا (4-4)؛
- الاتحاد السوفياتي- الأوروغواي (2-1)؛
- يوغوسلافيا- كولومبيا (5-0).
المجموعة الثانية
- تشيلي- سويسرا (3-1)؛
- ألمانيا الغربية- إيطاليا (0-0)؛
- تشيلي- إيطاليا (2-0)؛
- ألمانيا الغربية- سويسرا (2-1)؛
- ألمانيا الغربية- تشيلي (2-0)؛
- إيطاليا- سويسرا (3-0).
المجموعة الثالثة
- البرازيل- المكسيك (2-0)؛
- تشيكوسلوفاكيا- إسبانيا (1-0)؛
- البرازيل- تشيكوسلوفاكيا (0-0)؛
- إسبانيا- المكسيك (1-0)؛
- البرازيل- إسبانيا (2-1)؛
- المكسيك- تشيكوسلوفاكيا (3-1).
المجموعة الرابعة
- الأرجنتين- بلغاريا (1-0)؛
- المجر- إنجلترا (2-1)؛
- إنجلترا- الأرجنتين (3-1)؛
- المجر- بلغاريا (6-1)؛
- المجر- الأرجنتين (0-0)؛
- إنجلترا- بلغاريا (0-0).
الأدوار الاقصائية
ربع النهائي
- تشيلي- الاتحاد السوفياتي (2-1)؛
- تشيكوسلوفاكيا- المجر (1-0)؛
- البرازيل- إنجلترا (3-1)؛
- يوغوسلافيا- ألمانيا الغربية (1-0).
نصف النهائي
- تشيكوسلوفاكيا- يوغوسلافيا (3-1)؛
- البرازيل- تشيلي (4-2).
تحديد المركز الثالث
- تشيلي- يوغوسلافيا (1-0).
النهائي
- البرازيل- تشيكوسلوفاكيا (3-1).