الكاتب: مسعود علاّل
برز الكثير من اللاعبين العرب بمختلف الدوريات الأوروبية، بعد أن تمكنوا من تحقيق حلمهم بمغادرة بلدانهم للاحتراف الخارجي في أقوى الأندية والدوريات في القارة العجوز، ومنهم من وصل إلى العالمية على غرار الجزائري رابح ماجر والمصري محمد صلاح، لكن الواقع عكس ذلك تماماً بالنسبة إلى المدربين العرب الذين لم يجدوا لحد الآن مكاناً لهم ضمن قائمة مدربي النخبة أو على الأقل قائمة مدربي الصف الثاني في القارة الأوروبية، ولم يقتصر الأمر سوى على نماذج قليلة جداً بدأت تشق طريقها نحو النجاح، وأبرزها على الإطلاق التونسيان: راضي الجعايدي ومحمد الساحلي.
تعج مختلف الدوريات في أوروبا وفي أميركا على وجه الخصوص بالكثير من المدربين العرب، ولكن أغلبهم من مزدوجي الجنسية الذين ينشطون في أندية مغمورة أو في قطاعات الناشئين، بينما نجح الفرنسي زين الدين زيدان ذو الأصول الجزائرية في قيادة ريال مدريد الإسباني، وبدرجة أقل الفرنسي صبري لموشي التونسي الأصل، والذي أشرف على تدريب الفريق الفرنسي قبل أن ينتقل إلى نادي نوتينغهام فورست الإنجليزي، وبالمقابل أضحت الدوريات العربية والخليجية بشكل خاص الوجهة المفضلة للمدربين، وأبرزهم من شمال إفريقيا على غرار تونس والمغرب والجزائر ومصر.
تألّق تونسي
ومن تونس، يحمل المدرب محمد الساحلي لواء المدربين العرب في أوروبا؛ إذ صنع الحدث في الموسم الماضي، وأثار اهتمام وسائل الإعلام الأوروبية والعالمية بعد أن خاض مسابقة الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ" مع نادي فولفسبرغر النمساوي، فقد حقق نتائج طيبة أمام أندية قوية؛ مثل روما الإيطالي وبورسيا مونشنغلادباخ الألماني، وخلال 10 سنوات في مجال التدريب قضى الساحلي 8 سنوات مع نادي سالزبورغ النمساوي، كما أشرف على الجهاز الفني لمنتخب النمسا في فئة الشباب.
وتعد تجربة التونسي راضي الجعايدي لاعباً ثم مدرباً، نموذجاً للاعبين العرب؛ لما تختزله من أبعاد التحدي والمثابرة والعزيمة، فقد دوّن اسمه بحروف من ذهب في سجلات الكرة العربية والإنجليزية لاعباً ومدرباً، فإلى جانب مشواره في الملاعب مع فريقي الملعب القابسي والترجي الرياضي التونسيين بين 1994 و2004، ونوادي بولتون وبيرمنغهام سيتي وساوثهامبتون الإنجليزية بين 2004 و2012، برز اللاعب الأسمر بتألقه في عالم التدريب مع فريق أقل من 23 عاماً لساوثهامبتون، وقاده إلى التتويج بلقب الكأس، ليكون بذلك أول مدرب عربي يصعد على منصة التتويج في تاريخ ملاعب إنجلترا. وانتقل الجعايدي في الموسم الحالي إلى الدوري الأميركي؛ إذ يشرف حالياً على أكاديمية أتلتيك هارتفورد الواقعة بمقاطعة كونيكتيكت.
الجزائري بلماضي مرشّح بارز لـ"غزو" أوروبا
وبالنسبة إلى الجزائر فتحظى بتمثيل قوي على صعيد المدربين في مختلف أنحاء القارة العجوز، إلا أن أكثرهم من مزدوجي الجنسية ويشتغل مع فرق الشباب وبأندية صغيرة، وعلى سبيل المثال أشرف اللاعب الدولي السابق محمود قندوز على تدريب فريق مارتيغ في دوري الدرجة الثانية الفرنسي، ودرّب ناصر سنجاق نادي نوازي لوسيك المغمور الذي يمتلكه في فرنسا، وأشرف عزيز بوراس على تدريب حراس مرمى نادي سوشو الفرنسي وهو يعمل الآن مع المنتخب الجزائري الأول، وأدار عبد الغني جداوي مركزيّ تكوين سوشو ولوهافر الفرنسيين ودرّب نادي ريد ستار الفرنسي، ويشتغل حالياً كشافاً للمواهب في سوشو، ودرّب إسماعيل جليد فرق الشباب بأندية صغيرة في سويسرا، وكذلك عامر منسول الذي اشتغل في الدرجات السفلى بإيطاليا، وعادل عمروش الذي يشتغل أستاذاً محاضراً في التدريب ببلجيكا ودرّب في أوكرانيا وتركيا فضلاً عن تدريبه منتخبات بورندي وكينيا وغينيا الاستوائية وأخيراً بوتسوانا، والسعيد حدوش الذي سبق له الإشراف على المديرية الفنية البلجيكية، إضافة إلى رابح ماجر الذي درّب فريق الشباب ببورتو وفريقي الريان والوكرة القطريين.
كما أشرف رشيد معطر على تدريب الفريق الثاني لنانسي الفرنسي وهو اليوم مدير تكوين الفريق، ودرّب كريم بلحوسين فريقي كورتراي وأندرلخت البلجيكيين، وهو يدرّب اليوم نادي شارلوروا بنفس الدوري، كما درّب موسى بزاز أندية صغيرة عدة بفرنسا، وشغل مناصب كثيرة في تطوير الأندية والاتحاد الفرنسي، كما أشرف فريد بن ستيتي على تدريب فرق كرة نسائية في فرنسا وروسيا والصين.
ويبدو المدرب الحالي لمنتخب الجزائر الأول جمال بلماضي أمام طريق مفتوح لاقتحام عالم التدريب بأوروبا بعد أن ينهي مغامرته مع كتيبة "المحاربين"، خاصة أنه مولود بفرنسا، وتمكن من صنع اسم له هناك بوصفه لاعباً ثم مدرباً بعد أن حصد اللقب الإفريقي في الصيف الماضي بمصر، ما جعله أول مدرب عربي وإفريقي يدخل قائمة ترشيحات أفضل المدربين في العالم من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" وحلّ فيها رابعاً.
مدربون مصريون ومغاربة يبحثون عن معالمهم
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى المدربين المصريين الذين لم يتمكنوا أيضاً من البروز في أوروبا، وأحدهم عبده طلعت الشهير بـ"تالينتو" الذي درّب أكثر من 5 أندية فنلدنية، وهناك أيضاً النجم السابق هاني رمزي الذي خاض مشواراً احترافياً في أوروبا بوصفه لاعباً مع نوادي نيوشاتل السويسري وفيردر بريمن وكايزر سلاوترن وساربروكن الألمانية، وحصل بعدها على شهادات تدريبية عدة من ألمانيا، وخلال مشواره القصير بصفته مدرباً في أوروبا درّب هاني فريق لييرس البلجيكي، كما لعب دوراً صغيراً مع شبّان نادي كايزر سلاوترن، وشغل بعدها منصب مدرب عام في الفريق.
وبالمقابل غزا المدربون المصريون أميركا، لكنهم اكتفوا بالتدريب بأندية صغيرة، وأبرزهم حارس الإسماعيلي في التسعينيات إيهاب زنغا الذي أشرف على قطاع المدربين بنادي بوكا جونيور الأرجنتيني ونادي فلوريدا الأميركي، وهناك أيضاً طارق مشالي وأحمد محمود.
ويعدّ المغرب أقل تمثيلاً من ناحية وجود المدربين بأوروبا؛ إذ درّب رشيد شيهاب فرق الشباب وأندية صغيرة بفرنسا وبلجيكا، على غرار فريق الرديف بنادي ليل الفرنسي، ونادي موسكرون البلجيكي، وهو يشرف الآن على فريق صغير بفرنسا، بينما أشرف اللاعب الدولي السابق عادل رمزي على فريق الأواسط بنادي أيندوفن الهولندي، قبل أن يتحول إلى مدرب مساعد في الجهاز التدريبي للفريق الأول خلال الموسم الماضي.
وعن أسباب عدم وجود مدربين بارزين عرب بأوروبا بخلاف اللاعبين، قال المدرب التونسي محمد الساحلي في تصريحات سابقة لصحيفة "العربي الجديد": "الأمر صعب جداً، ليس لدينا لاعبون عرب كثيرون متفوقون في أوروبا، فقط محمد صلاح ورياض محرز تقريباً، فما بالك بالمدربين!"، مضيفاً: "مهنة التدريب في أوروبا أصعب من ممارسة كرة القدم كلاعب، لكن تبقى احتمالات وجود مدربين عرب قائمة، وأتمنى أن أكون فتحت ومهدت لهم الطريق لوجودهم في أوروبا".
كما تبرز أسباب أخرى كثيرة تجعل المدربين العرب لا يفرضون أنفسهم في أوروبا، فبجانب الصعوبات التي يواجهونها هناك للتأقلم مع البيئة وفرض أنفسهم وسط وفرة المدربين الأوروبيين، يتجه أغلب اللاعبين بعد الاعتزال لعالم المال والأعمال والتجارة لتأمين المستقبل، وهناك من يتجاهل اللجوء للتكوين والحصول على الشهادات التدريبية، وهناك من أنشأ أكاديميات للكرة ببلده، ويعمل على تصدير المواهب والحصول على مقابل مالي.