مع المدرب التشيكي ميروسلاف سكوب أصبح المنتخب اليمني يمتلك الكثير من مقومات الثبات الانفعالي، ولتوضيح الصورة أكثر، فمنتخب اليمن نقله سكوب في شهر فقط من النقيض إلى النقيض.
امتدح الفنيون والمحللون أداء المنتخب اليمني أمام نظيره العُماني، لكن هذا المديح لم يرتكز أو يتأسس على حقائق دامغة تصب في مجرى التخطيط، بل إنه مديح جاء وفقا لقاعدة "المعاناة تولد الإبداع".
عندما ارتكب اتحاد الكرة اليمني حماقة القرن، تاركا حبل المنتخب اليمني على الغارب، ومن دون مدرب إلى ما قبل دورة خليجي البصرة بشهر، لم يكن يمارس هذا الاتحاد سوى عادته القديمة في الاستهتار بالوقت، وفي تقديم فاصل جديد من حرق أعصاب الجماهير اليمنية.
خاض منتخب اليمن معسكرا ترفيهيا في القاهرة أقرب منه إلى معسكر إعدادي جاد يضع النقاط تحت وفوق حروف التأهب لتسجيل مشاركة مشرفة، تغادر "حيص" التسع مشاركات السابقة و"بيصها"، لكن كتاب المنتخب اليمني من حيث التخبط الإداري والترهل الفكري كان يقرأ من عنوانه.
عندما خسر الأحمر اليمني مباراته الأولى في خليجي 25 أمام المنتخب السعودي لم يكن المنتخب كأفراد سيئا، لكنه كان ضحية لنقص الإعداد وسلبية معسكر القاهرة الذي خلا تماما من أية بروفات ودية حقيقية باستثناء اللعب أمام رديف فرق مصرية تنتمي للدرجة الثالثة.
ولأن مشكلة النواقص في المستلزمات الرياضية تفجرت فجأة ودون سابق إنذار، ضف إليها تشبيه مدرب اليمن سكوب للمنتخب بأنه مجرد (توكتوك) أمام (مرسيدس) المنتخب السعودي، فإن ردود الأفعال تجاه كل هذا خلف فجوة نفسية بين اللاعبين وبعثة المنتخب في البصرة.
يحسب للمدرب سكوب أنه سيطر على أجواء المنتخب، واستطاع بحنكة إبعاد اللاعبين عن زوبعة (واقي الساق) وما صاحبها من إثارة إعلامية كان هو نفسه أحد فرسانها، كما أنه تمكن من تهيئة اللاعبين ذهنيا لمباراة سلطنة عُمان، بعيدا عن الصخب المصطنع المثار حول المستلزمات الرياضية.
والواقع يقول: لم يكن أكثر اليمنيين تشاؤما يتوقع أن يظهر منتخب اليمن أمام منتخب عُمان بثوب المارد الذي يصعب ترويضه، تماما مثلما أن أكثر اليمنيين تفاؤلا كان يمني النفس بهزيمة صغيرة لا تزيد الشرخ النفسي للمنتخب.
في كرة القدم يمكنك أن تؤمن بحظوظك مهما كانت درجة المنافس، لكن هذا الإيمان يتطلب تركيزا كبيرا داخل الملعب، وهذا لن يحدث إلا إذا كانت لياقة اللاعبين النفسية في القمة.
استطاع سكوب تجهيز لاعبي منتخب اليمن نفسيا في وقت قياسي، لهذا ظهروا أمام منتخب عُمان في حالة ذهنية خارقة للعادة، وهذا العامل أسهم في تحكم المنتخب اليمني بإيقاع المباراة، وتسيير مجرياتها كما يشتهي، ولولا الأخطاء الساذجة لحارس مرماه وقلة تركيزه لخرج منتخب اليمن منتصرا على بساط الجدارة والاستحقاق.
في ظرف شهر فقط خلق سكوب منتخبا يمنيا مهابا لا يتخندق دفاعيا كما عهدناه، بل يبادر بالهجوم المتوازن، بأسلوب كشف حقيقة أن منتخب اليمن يمتلك الكثير من المقومات؛ منها: دفاع منظم، ووسط منقض ومقتحم، ومضادات هجومية تنذر دوما بالأخطار المحدقة، وبالأهداف الجميلة.
قاسية هي أحكام كرة القدم عندما تدير ظهرها لمنتخب اليمن وتحرمه على أقل تقدير من نقطة التعادل، نعم قاسية كرة القدم حينما تزرع هدفين ساذجين في المرمى اليمني، ثم تتخلى عنه في ركلة جزاء أهدرها اليمني محمد الداحي في الأنفاس الأخيرة، كانت كافية لتمنح اليمن نقطتها المعتادة في دورات كأس الخليج.
تظل الكرة اليمنية كرة موهبة تمارس من طرف الأفراد حتى إشعار آخر، ورغم نواقص الانضباط التكتيكي للاعبين فإنه وللتأكيد يجب الإشارة إلى أن المدرب سكوب طور كثيرا من عطاء اللاعبين، وحولهم إلى خلية نحل تعمل بحماس ومن دون ملل، واستمرار هذا المدرب لفترة أطول سيعطي ثماره بأسرع مما يتصور الشارع الرياضي اليمني.