إحياءً للذكرى الستين منذ تدشين أول نسخة من كأس أمم أوروبا عام 1960 والتي استضافتها فرنسا وحصدها الاتحاد السوفييتي بتغلبه على يوغوسلافيا، فإن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا" قرر إقامة نسخة عام 2020 من المسابقة عبر 12 مدينة أوروبية، قبل أن يتم إرجاء المنافسات للعام التالي بسبب تفشّي فيروس كورونا الذي قلّص عدد المُدن المستضيفة إلى 11 في نهاية المطاف. روما الإيطالية ستكون شاهدة على ضربة البداية في الحادي عشر من شهر يونيو/ حزيران الحالي عبر ملعب الأولمبيكو بمباراة الافتتاح بين إيطاليا وتركيا.
كورونا ليس التهديد الوحيد
وسط هذه الأجواء المُلبّدة بالتوتر والإجراءات الاحترازية غير المسبوقة بسبب مخاوف تفشّي كورونا من جديد في القارة العجوز، تظهر معضلة أخرى ويبدو أنها أشد خطرًا وآتية لا محالة، وهي "التغيّر المناخي" النابع في الأساس من حرق الوقود، وبالنظر إلى آلاف المشجعين والعاملين والصحفيين واللاعبين، وغير ذلك من العنصر البشري المشارك في البطولة، فإن حجم التنقلات بالرحلات الجوّية سيكون هائلًا خلال فترة وجيزة، ما يهدد بالفعل بازدياد ظاهرة الاحتباس الحراري، عندما تنطلق الرحلات من باكو في أقصى الشرق إلى إشبيلية في أقصى الغرب.
رحلات كربونية
يشير تقرير أعدّه خبراء من هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" إلى أن التقديرات الأولية لعدد الرحلات الجويّة المنتظرة خلال شهر إقامة البطولة ما بين مليوني إلى 3 ملايين رحلة مقارنة بـ100 ألف في البطولات السابقة، وفي الواقع يسهم الطيران فقط بنسبة 4% من انبعاثات الكربون العالمية، لكنها نسبة لا يُستهان بها إذا علمت أن الرحلة من لندن إلى نيويورك تُخلّف انبعاثات كربونية بنسبة 33% من متوسط انبعاثات الكربون السنوية للشخص العادي.
ماذا إن كنت سويسريًا؟
في السابق كان المشجّع يقطع تذكرة السفر بالطيران إلى البلد المستضيف للبطولة ويتابع منتخب بلاده في مدينة واحدة بدور المجموعات، وفي حالة تأهله للدور الثاني- على الأغلب- يتنقّل إلى مدينة أخرى، أي أن تحركات المشجّعين وبالتبعية كل العناصر البشرية اقتصرت على حيز البلد المستضيف.. لكن ماذا إن كنت سويسريًا في يورو 2020؟
الإجابة هي أنك ستضطر آسفًا إلى قطع مسافة 13 ألف كم جوًا لتحضر 3 مباريات لسويسرا في دور المجموعات، بداية من باكو الأذرية بالافتتاح أمام ويلز، ثم إلى روما بالجولة الثانية ضد إيطاليا، ثم ترانزيت في أمستردام الهولندية، وأخيرًا العودة مُجددًا إلى باكو للمباراة الثالثة ضد تركيا. هذه المسافات الإجمالية تعادل تقريبًا الذهاب والعودة "مرتين" بين نيوريوك ولندن، المشجّع السويسري سيقطع أطول مسافة من بين منتخبات البطولة قاطبة، والمفارقة أن المسافة المقطوعة للمشجع السويسري في بطولات يورو 1996 و2004 و2008 و2016 تبلغ (6 آلاف كم) أي أقل من نصف المسافة المقطوعة في يورو2020 البالغة (13 ألف كم).
لوضع المسافات في سياق مناخي دقيق، فإن وصول سويسرا إلى ربع نهائي المسابقة، سيجعل من المشجّع الواحد للمنتخب السويسري يطلق انبعاثات كربونية بمقدار 4 أطنان، وهو مساوٍ للمُعدّل السنويّ العالمي الذي يبلغ 4 أطنان للفرد في السنة الواحدة. ما يضعنا أمام أرقام مخيفة على مستوى الانبعاثات الكربونية التي تؤدي بدورها إلى الاحتباس الحراري كما ذكرنا سلفًا.
الوضع ليس سواءً
على النقيض مما سبق، هناك منتخبات لن تضطر إلى قطع مسافات شاسعة بالطيران، وهذه من قلائل الأمثلة في البطولة، مثل المنتخب الهولندي الذي سيخوض مباريات دور المجموعات كاملة في أمستردام ثم سينتقل إلى لندن إذا ما تأهل إلى ثمن النهائي، فقط 780 كم.. وفي حالة الوصول إلى المباراة النهائية فإنه سيمر عبر باكو الأذرية ولن تطول المسافة المقطوعة عن 3 آلاف كم. يمكننا عقد مقارنة مع مسافات السويسريين (13 كم) في 3 مباريات فقط!
المنتخب الإنجليزي يملك وضعًا مشابهًا، إذ يخوض مباريات دور المجموعات على أرضه، وفي حالة المضي قدمًا في الأدوار سيسافر فقط إلى روما لخوض ربع النهائي، قبل أن يعود إلى لندن حيث تُقام مباراتا نصف النهائي، والنهائي في ملعب ويمبلي. مسافة مُقدّرة بـ3 آلاف كم.
ماذا يقول الخبراء؟
أندرو سيمس، وهو مدير في معهد الطقس الجديد المعنيّ بمحاربة التغيّر المناخي، يعتقد أن الاتحاد الأوروبي ضرب القواعد البيئية عرض الحائط عندما أسند تنظيم يورو2020 إلى 11 مدينة مختلفة في أوروبا، وقال عن تقرير يويفا الذي أعدّه مسئولون بارزون عن الأمر إنه "يفتقد إلى المصداقية" وأضاف: "ينبغي عليهم إعادة التفكير في تنظيم المسابقات، وعليهم التفكير كذلك في تقليل التأثير الناتج، نحن بالفعل نتجّه إلى تجاوز الخطوط الحمراء للمناخ، ومثل تلك المسابقات تُسرّع بنا نحو الهاوية، أعتقد أن الاتحاد الأوروبي لا يعير قوانين الفيزياء اهتمامًا، إنهم جزء من الكارثة التي نواجهها".