مسعود علّال
على الرغم من المواهب التي تزخر بها الرياضة العربية في مختلف الاختصاصات، والإنجازات والألقاب الفردية والجماعية التي كثيراً ما ارتبطت باللاعبين والرياضيين العرب خاصة في مجال كرة القدم والرياضات الفردية في صورة ألعاب القوى والملاكمة والجودو، إلا أن الكثير من الرياضيين لم ينالوا حقهم بل لم يحصلوا حتى على أبسط الإمكانات للتألق والبروز، فسلكوا طرقاً عدة لتحقيق ذلك، حتى غير الشرعية منها، وأخطرها على الإطلاق الهجرة السرية خارج بلدانهم وإلى أوروبا تحديداً.
وتأخذ الهجرة السرية للرياضيين شكلين؛ أوّلهما الهروب من المعسكرات أو البطولات الخارجية التي يشاركون فيها مع بلدانهم، وأما الأخطر فهي امتطاء قوارب الهجرة السرية وقطع البحار للوصول إلى الضفة الأخرى بحثاً عن مستقبل أفضل.
وتبرز أسباب مخاطرة الرياضيين بحياتهم، من أجل تحقيق أهدافهم في عوامل اجتماعية ومادية على وجه الخصوص؛ إذ يعاني أكثرهم الفقر واليأس والتهميش، وغياب التقدير والاعتراف والاحترام وفقدان الثقة والأمل بسبب انعدام إمكانات التحضير الجيد التي توفر لهم فرصة البروز والتنافس على الألقاب، وكذلك شق الطريق نحو النجومية والشهرة وجني المال.
وتمس هذه الظاهرة الخطرة بشكل خاص الرياضات الفردية؛ إذ هربت لاعبة من بعثة الجزائر المشاركة في دورة الألعاب المتوسطية في إسبانيا في العام 2018، ولاعبة أخرى فرّت في صيف ذات العام أيضاً من معسكر المنتخب الجزائري لرياضة الرافل والبلياردو في العاصمة الإيطالية روما، كما هربت لاعبة مغربية لكرة القدم من معسكر بإسبانيا في نفس العام.
وشهدت تصفيات أولمبياد بيكين 2008، هروب 3 لاعبين عراقيين من معسكر بسيدني الأسترالية، وفي الألعاب المتوسطية التي جرت بإسبانيا عام 2005 فرّ 5 رياضيين مغاربة من القرية الأولمبية من بينهم فتاتان، كما شهد العام 2015 هروب ثلاثة ملاكمين من معسكر المنتخب المغربي عند الاستعداد لبطولة أفريقيا المؤهلة لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016. وفي الألعاب المتوسطية التي جرت بإسبانيا قبل عامين أيضاً، اختفى ثلاثة رياضيين تونسيين، كما فر لاعبان مغربيان خلال الألعاب المتوسطية للألعاب الشاطئية باليونان التي جرت العام الماضي.
قصص مؤثرة ونهاية مأساوية
وإذا كان الرياضيون الذين اختاروا الهروب خلال المسابقات الخارجية، قد أمّنوا حياتهم على الأقل وعدم تعريضها للخطر، فإن آخرين عاشوا الويلات وصارعوا الأمواج في عرض البحر بعد أن قرروا انتهاج ما يعرف في الجزائر بـ"الحرقة" أو"الحريك" في المغرب، وهي الهجرة غير الشرعية عبر قوارب "الموت".
وللأسف دفع رياضيون الثمن غالياً؛ إذ أودت الهجرة السرية عبر قوارب في البحر المتوسط بأرواح شبان من دول شمال أفريقيا كانوا يحلمون بالوصول إلى أوروبا، وفقد البطل المغربي في رياضة الكيك بوكسينغ أيوب مبروك (21 عاماً) حياته في رحلة للهجرة السرية من المغرب نحو إسبانيا، إثر انقلاب القارب الذي كان يقلّ أكثر من عشرين شاباً مغربياً في عرض البحر.
وفي الجزائر انتشرت هجرة الرياضيين إلى القارة الأوروبية عبر القوارب والزوارق بشكل كبير، وبلغت أبعاداً مخيفة، ففي خريف العام الماضي هرب حارس مرمى أحد أندية الدرجة الثانية على متن قارب إلى مدينة أليكانتي الإسبانية، قبل أن يتبعه لاعب آخر من دوري الهواة غادر إلى إسبانيا هو الآخر على متن زورق كان يضم العديد من المهاجرين غير الشرعيين.
وفُجعت أسرة كرة القدم في الجزائر في يناير الماضي بعد انتشار خبر مصرع لاعبين اثنين في كرة القدم بعرض البحر إثر انتهاجهما سبيل الهجرة السرية، ويتعلّق الأمر باللاعب أمين خيثر الذي سبق له اللعب لعدة أندية في دوري الدرجة الثانية، واللاعب الشاب أسامة بعوشي من فريق شبيبة تيارت، وكشفت وسائل إعلام جزائرية بأن مصالح الدفاع المدني انتشلت جثة صديق للاعبين اتضح بأنه كان أحد أفراد مجموعة من الشباب غادروا البلاد في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي عبر قارب، لكن الرحلة تحولت إلى مأساة بعد انقلاب القارب الذي كان يقلّهم في البحر.
وأضافت وسائل الإعلام بأنه على الرغم من صعوبة الوضع، والاحتمال الضئيل لنجاة اللاعبين من المصير المحتوم، إلا أن عائلتيهما تتمسكان بخيط الأمل الرفيع في نجاتهما. وفي الصيف الماضي أحبطت أجهزة الأمن المصرية محاولة هجرة سرية، خططت لها عصابة إجرامية منظمة، انتحلت صفة أعضاء فريق رياضي يعتزم المشاركة في إحدى المسابقات الخارجية، وأوقفت الشرطة مدربين رياضيين شاركا في هذه المحاولة.
ويبقى أكثر المشاهد تأثيراً وأسفاً تلك اللقطة التي صدرت في خريف العام الماضي من بطل مغربي في رياضة التايكواندو، وهو في عرض البحر على متن قارب للهجرة السرية متجهاً إلى إسبانيا، وأظهر مقطع فيديو انتشر بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قيام البطل المغربي أنور بوخرصة برمي إحدى الميداليات التي حصل عليها في البحر، في إشارة واضحة إلا أنها بلا قيمة ولن توفر له العيش الكريم.