بعد نحو أسبوعين من إسدال الستار على بطولة كأس العالم قطر 2022 التي شهدت تحقيق منتخب المغرب إنجاز بلوغ المربع الذهبي للمونديال، وما يزال الحديث عن هذه المشاركة التاريخية يتردد في مناقشات الجماهير العربية وتحليلات المدربين والمتابعين.
وسيكون القائمون على الكرة المغربية أمام تحدٍّ كبير يتمثل في مواصلة الحضور المميز لـ"أسود الأطلس" في المحافل الدولية الكبرى وعدم تكرار نموذج التجربة التركية.
ومرت الكرة التركية بطفرة مع بداية الألفية الجديد وقارعت أنديتها كبار الأندية الأوروبية وأصبح منتخبها يحسب له ألف حساب، وحقق إنجازًا غير مسبوق في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، بنيله المركز الثالث بعد أداء لافت لنجومه في البطولة.
المحللون الرياضيون وصفوا المنتخب التركي بأنه الحصان الأسود في المونديال الكوري الياباني، وهو الوصف الذي ناله المنتخب المغربي بعد إطاحته بمنتخبات عالمية مرشحة للقب في طريقه إلى المربع الذهبي.
التجربة التركية توقفت حيث بدأت
دخل المنتخب التركي المنافسة في المونديال الآسيوي بقيادة المدرب الوطني شينول غونيش، وبفريق يضم لاعبين مهاريين أبرزهم القائد هاكان شوكور وأولهان مانسيز وأوميت أيدين وحسن شاش وغيرهم، ونجح بحصد أربع نقاط من دور المجموعات، بتعادل أمام كوستاريكا وفوز على الصين، في حين خسر مباراته الأولى أمام البرازيل.
وفي ثمن النهائي نجح المنتخب التركي في إزاحة البلد المضيف اليابان، بهدف دون رد، ليمر لمقابلة منتخب السنغال في ربع النهائي ويفوز عليه بهدف نظيف، ليقابل منتخب البرازيل مجددًا في نصف النهائي، حيث خلق له متاعب عدة على أرض الملعب، لكنه خسر المباراة بهدف الظاهرة رونالدو في الدقيقة 49.
وفي مباراة الترتيب ضد كوريا الجنوبية، فاز المنتخب التركي بثلاثية مقابل هدفين، وبعد انتهاء البطولة ظن الجميع أن المنتخب التركي سيبني مجده المونديالي ويبقى رقمًا صعبًا في القارة الأوروبية والكرة العالمية، لكن التوهج التركي انطفأ لتغيب الكرة التركية عن أبرز البطولات القارية والعالمية.
ومنذ عام 2002 لم تترك تركيا أي بصمة في المونديال، خصوصًا أنها غابت عن بطولة كأس العالم في النسخ التالية وحتى الآن، وعلى الساحة القارية لم يكن لها حضور ملموس، حيث فشلت بالتأهل إلى كأس أمم أوروبا عام 2004، وباستثناء وصولها إلى نصف نهائي كأس أمم أوروبا عام 2008 غابت الكرة التركية عن المنافسة في كافة البطولات والمنافسات القارية والعالمية وفشلت بالتأهل إلى نسخة أمم أوروبا عام 2012، وخرجت من الدور الأول في نسختي 2016 و2020.
وعلى صعيد الأندية، كانت أندية غلطة سراي، وبشكتاش، وفنربخشة، علامة فارقة في البطولات الأوروبية؛ إذ حصدت نتائج كبيرة بعدما قدمت مباريات ملحمية سطرت بها تاريخًا كبيرًا للكرة التركية، خصوصًا مشاركة غلطة سراي في الدوري الأوروبي 1999-2000، عندم بلغ المباراة النهائية التي فاز فيها على أرسنال الذي كان مدججًا بنجومه، بركلات الترجيح (4-1)، ليحقق الفريق التركي أول لقب قاري في تاريخه.
ولم يكتفِ غلطة سراي بلقب الدوري الأوروبي، بل فاجأ العالم في مواجهة كأس السوبر الأوروبي، بفوزه على العملاق الإسباني، ريال مدريد، بهدفين مقابل هدف وحيد، عبر مهاجمه البرازيلي ماريو جارديل.
قبل ذلك، خطف ناديا بورصة سبور وغوزتيبي التركيان الأضواء في حقبة السبعينيات؛ إذ وصلا إلى مراحل متقدمة في بطولة كأس الكؤوس الأوروبية، لكن الأندية التركية لم تستطع مواصلة السير في طريق التألق والإنجازات، ليتراجع حضورها بشكل لافت، وباتت ممرًا للفرق الكبيرة في معظم البطولات الأوروبية من الأدوار الأولى أو التمهيدية.
التجربة المغربية بداية التألق أم طفرة مؤقتة؟
على الجانب الآخر، الكل تابع الملحمة التي سطرها وليد الركراكي مع المنتخب المغربي في مونديال قطر، معتمدًا على نجوم كبار أمثال ياسين بونو (إشبيلية)، أشرف حكيمي (باريس سان جيرمان)، نصير مزراوي (بايرن ميونيخ)، نايف أكرد (وست هام يونايتد)، بدر بانون (قطر)، سفيان أمرابط (فيورنتينا)، عز الدين أوناحي (أنجيه)، حكيم زياش (تشيلسي)، يوسف النصيري (إشبيلية) وسفيان بوفال (أنجيه)، وغيرهم من النجوم.
وقدّم المنتخب المغربي مستويات مميزة في مونديال قطر، بتعادله سلبًا مع كرواتيا وصيفة مونديال روسيا 2018، والتي بلغت المربع الذهبي للمونديال القطري، ثم فوزه على بلجيكا 2-0 وعلى كندا 2-1، قبل إقصاء المنتخب الإسباني أحد المرشحين البارزين للتتويج باللقب من دور الـ 16، بركلات الترجيح 3-0 بعد التعادل 0-0، ومن ثم الانتصار على البرتغال 1-0 في ربع النهائي، قبل الخسارة أمام المنتخب الفرنسي 0-2 في نصف النهائي، و1-2 أمام منتخب كرواتيا في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع.
وعلى صعيد الأندية دومًا ما تكون أندية الوداد الرياضي، والجيش الملكي، والفتح الرباطي والرجاء الرياضي، أرقامًا صعبةً في البطولات القارية ولها صولات وجولات في دوري أبطال أفريقيا كان آخرها تتويج الوداد الرياضي باللقب على حساب الأهلي المصري موسم 2022.
ويبقى التساؤل الذي يطرحه الجميع، هل ستكون التجربة المغربية بداية لنهضة كروية طويلة المدى أم ستكون طفرة كسابقتها التركية التي نهضت لعدة سنوات ثم خفتت؟
يمكن للكرة المغربية مواصلة السير على الطريق الصحيح والبناء على إنجاز مونديال قطر، من خلال اعتماد مجموعة من الخطوات، أبرزها:
- الاعتماد على لاعبي الخبرة وتعزيز الفرق والمنتخبات بوجوه جديدة.
- منح الفرصة للمواهب الشابة.
- تعزيز دور الأندية والمراكز الرياضية في استقطاب المواهب من خلال الاهتمام ببطولات الفئات العمرية.
- دعم الأندية والبطولات المحلية لزيادة التنافسية.
- استقطاب اللاعبين مزدوجي الجنسية في وقت مبكر قبل إغرائهم من المنتخبات الأوروبية.
- الاهتمام بمنتخبات الفئات العمرية (الأولمبي والشباب والناشئين).
- الاهتمام بآلية تعيين مدربي المنتخبات الوطنية ومنح المدرب المجتهد فرصة قيادة المنتخبات كما حصل مع الركراكي.
- الاهتمام بالبنية التحتية وتعزيزها بملاعب تدريبية بمواصفات عالمية.