الرياضة العربية والتّطبيع..الصراع الأزلي

بواسطة messaoud.allel , 7 يوليو 2020

مسعود علّال

 

تشهد الساحة الرياضية العربية الكثير من الجدل بعد كل بطولة رياضية دولية تعرف وقوع رياضيين أو منتخبات عربية في مواجهة نظرائهم من الإحتلال الإسرائيلي، وهي مواجهات غالبا ما تنتهي بانسحاب الرياضيين العرب من المنافسات التي تفرضها عملية سحب القرعة عليهم أحيانا بطرق غير بريئة لدفعهم لتطبيق أحد أشكال "التطبيع" مع إسرائل، الأمر المرفوض بل والمعدود من "المحرّمات" أو "الخطوط الحمر" التي لا يجب تجاوزها أبدا لدى كثير من الدول والشعوب العربية المتضامنة مع فلسطين وقضيتها العادلة ضد الاحتلال الإسرائيلي.


وكثيرا ما تطفو قضية التطبيع الرياضي مع إسرائيل على سطح المشهد الرياضي العربي، إذ حفلت بطولات عدّة عالمية في مختلف الرياضات بالكثير من مشاهد الانسحاب لرياضيين عرب قبيل مواجهة نظرائهم الإسرائيليين، مسجّلين مواقف مشرّفة لاقت تفاعلا قويا على الصعيد الجماهيري، إلا أن ثمة تناقضات شابت هذا الموقف العربي الرافض للتطبيع، ما يطرح تساؤلات كثيرة عن هذا التغيّر المفاجئ للمواقف، أو عمّا إذا كان يدخل في إطار "الأفعال الفردية المعزولة"، التي لا تتحمل أنظمة الدول العربية الرسمية مسؤولياتها وتبعاتها.


وغالبا ما يعبّر عدد من النشطاء عبر منصات التواصل عن فخرهم بمقاطعة رياضيي إسرائيل بل ويعتبرون ذلك نصرا معنويا عليها، خاصة وأنهم يعتقدون أنه لا يمكن أبدا تطبيق  مبدأ "الروح الرياضية" و"التسامح" مع رياضيين ينتمون للاحتلال الإسرائيلي، لكن عددا آخر من المتابعين يعتبر أن المواجهة وهزيمة الاحتلال رياضيا قد تكون خيارا أفضل من المقاطعة والانسحاب.


 أما على المستوى الجماهيري أو الشعبي العربي فيبقى الموقف السائد هو الرفض القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع، مقابل التعاطف والتضامن مع القضية الفلسطينية، بالرغم من سعي إسرائيل خلال العقود الماضية إلى بذل الكثير من الجهود لإقناع العديد من الدول العربية لبناء علاقات سياسية واقتصادية معها قصد إضفاء الشرعية على وجودها، إلا أن الكثير من الدول العربية رفضت ذلك، لتلجأ إسرائيل إلى التركيز على المجال الرياضي لاختراق الموقف العربي المتصلّب.

 


وسجل الرياضيون العرب طيلة العشريات الماضية عدة مواقف مشرفة ضد التطبيع ونصرة للقضية الفلسطينية، إذ يفضلون الانسحاب من مواجهات رياضية مع الفرق أو الأفراد الإسرائيليين متذرّعين بالإصابة أو المرض، حتى لو كلفهم ذلك مشوارهم الرياضي وكذلك التعرض للمساءلات والعقوبات من طرف الهيئات الرياضية الدولية.


فمن تونس رفضت الملاكمة التونسية ميساء العباسي في العام الماضي مواجهة منافسة من إسرائيل ضمن دورة دولية في روسيا، وانسحبت بطلة التنس أنس جابر عام 2013 من بطولة "باكو" لنفس الأمر، على غرار مالك الجزيري الذي انسحب من دورة طشقند، كما قاطعت عزة بسباس مواجهة متسابقة من دولة الاحتلال ناعومي مليس في بطولة العالم للمبارزة في إيطاليا عام 2011.


 وكذلك انسحب لاعب الشطرنج محمد حميدة عام 2015، من بطولة العالم للشطرنج، وكان وقتها يبلغ من العمر عشر سنوات، إذ رفض اللعب أمام منافس من إسرائيل، قائلا: "سنواجههم في القدس. كما أخضعت وزارة الرياضة في تونس عام 2013 مصارعيْ تايكواندو للتحقيق بعد مواجهتهما منافسين من إسرائيل ضمن دورة دولية في بلجيكا.

 


ومن الجزائر يعد مصارع الجودو مزيان دحماني أول رياضي جزائري قاطع منافسا من إسرائيل، حيث حدث ذلك في بطولة العالم سنة 1991، وعاود ذلك في الألعاب الأولمبية 1922 ببرشلونة، كما رفض المنتخب النسائي لرياضة المبارزة مواجهة نظيره الإسرائيلي في بطولة العالم للمبارزة التي جرت في إيطاليا عام 2018.


وقاطعت لاعبة "الجودو" أمينة بلقاضي في نفس العام مواجهة متنافسة من إسرائيل خلال بطولة العالم في المغرب. وفي نفس العام ضحّى مصارع التايكواندو زكريا شنوف بكأس العالم ورفض خوض منازلة، بعد أن فرط في اجتياز امتحان شهادة الثانوية العامة لخوض البطولة، وقام المنتخب الجزائري لكرة القدم لذوي الاحتياجات الخاصة في العام الماضي، بمقاطعة مباراة مع فريق إسرائيل.


وسجل لاعبو الكرة أيضا مواقف مشرفة ضد التطبيع، على غرار حارس مرمى المنتخب الجزائري رايس وهاب مبولحي، الذي رفض في العام 2010 المشاركة في مباراة ودية أمام هابويل كغار، بالإضافة إلى رفضه عرضا مغريا من فريق هابويل تل أبيب.

 

لاعب رياضة المواي تاي العراقي علي الكناني ينسحب من الدور نصف النهائي لبطولة العالم في تايلاند لرفضه اللعب مع لاعب يمثل دولة الاحتلال. pic.twitter.com/sGPljIxezU

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) July 25, 2019


 وبالمقابل هرب اللاعب ناصر ميناسل ذو الجنسية المزدوجة الجزائرية الفرنسية من الكيان عام 2007، بعد أن تعرض لضغط شديد من عائلته في الجزائر وفرنسا، إذ كان على وشك الإمضاء لفريق من الاحتلال، شأنه شأن اللاعب السابق سليم عراش الذي هرب أيضا بعد أن كان يقترب من الانضمام لنادي هبوعيل بئر السبع، كما رفض ياسين ابراهيمي لاعب نادي الريان القطري الحالي السفر إلى إسرائيل مع فريقه السابق بورتو البرتغالي للمشاركة في مباراة بدوري أبطال أوروبا.


وقاطع علي الكناني لاعب المنتخب العراقي لرياضة "مواي تاي"، مواجهة في بطولة العالم، كما انسحب مصارع سوري من بطولة دولية لرياضة "الكيك بوكسينغ" في تركيا، رافضاً مواجهة لاعب إسرائيلي، شأنه شأن الأردني محمد البنّا الذي رفض خوض مباراة أمام لاعب من إسرائيل، وفي العام 2009 رفض لاعب كرة الطاولة اللبناني بسام محمد صفدية مواجهة لاعب إسرائيلي في بطولة البحر المتوسط في إيطاليا.


كما انسحب مصارع الجودو المصري أحمد عوض أمام متنافس إسرائيلي في بطولة العالم في النمسا، ورفض مواطنه محمد عبد العال مصافحة منافس إسرائيلي في بطولة العالم للجودو في اليابان، بينما سبقه في ذلك الجزائري فتحي نورين الذي انسحب من البطولة بسبب وقوعه في مواجهة أحد اللاعبين من الاحتلال.

ورفض لاعب نادي السالمية والمنتخب الكويتي للتنس عبد الحميد محبوب جمعة، مواجهة لاعب من إسرائيل في بطولة "الفيتشرز" العالمية، كما انسحب الكويتي عبد الله العنجري من بطولة رياضة "الجوجيستو" التي أقيمت في أمريكا، رفضاً لمواجهة لاعب من إسرائل.


وأحدث منتخب السعودية لكرة القدم ضجة في العام الماضي عندما سافر إلى الأراضي المحتلة لمواجهة نطيره الفلسطيني في رام الله في التصفيات المؤهلة لمونديال قطر2022، وكأس آسيا 2023، بعد أن كان قد رفض رفضا قاطعا اللعب في الأراضي المحتلة في العام 2015، بحجة عدم تلطيخ اسم السعودية بشبهة "التطبيع"، ويعود ذلك لإجبار سلطات الاحتلال كل من يدخل إلى الأراضي المحتلة بالمرور عبر منافذ للشرطة والجوازات يديرها الاحتلال الإسرائيلي.


حالات شاذّة
لكن التصرف غير المسبوق الصادر عن رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية مصطفى بيراف، خلال البطولة العالمية للجودو التي أقيمت في باريس مطلع العام الحالي، أثار ضجة واسعة في الجزائر والوطن العربي، إذ أظهره مقطع فيديو وهو يقف لتحية نشيد إسرائيل، وهو ما أثار غضبا شعبيا عارما، بلغ إلى أعلى السلطات.

 


 ولم يدل بيراف بأي تعليق حيال ما حصل، إلا أنه أعلن استقالته من منصبه بعد أن تعرض لهجوم حاد من الجماهير ووسائل الإعلام المحلية، إذ طالبت بمحاسبته على هذا الموقف الذي يتعارض تماما مع مواقف الجزائر من القضية الفلسطينية والتي تتبنى منذ عشرات السنين شعار: "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".


وبالمقابل خلّف التحاق البطل المغربي المهدي شكري بفريق إسرائيلي لرياضة الدراجات الهوائية، ضجة كبيرة في المغرب، إثر تنديد الجماهير المغربية بهذا الأمر، وقام اتحاد اللعبة المحلي بالتبرّؤ منه. وبرر شكري تصرفه بـ"الفقر والوضع الاجتماعي الصعب". وأضاف في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لم أقدم على هذه الخطوة، إلا بعدما عانيت فقراً ووضعاً اجتماعياً صعباً".


وأضاف المتسابق المغربي: "أتقبل الانتقادات التي وجهت إلي، لكنني مسؤول عن أسرة ولم أجد حلاً آخر، أنا أمارس الرياضة ولا تهمني المعتقدات الدينية، فقد عشت التهميش في المغرب مع المسلمين"، لكن سرعان ما تراجع المهدي شكري عن قراره الأول، إذ التحق بفريق فرنسي بعد الضغط الرهيب الذي تعرض له في المغرب.

 

#رياضة
المصارع الجزائري #نورين ينسحب من #بطولة_العالم بسبب إسرائيليhttps://t.co/2e0yEBSeU0

— Ennahar Tv النهار (@ennaharonline) August 27, 2019

Image
Mustapha Berraf,.jpg
Caption
مصطفى بيراف رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية تورط في التطبيع(Getty)