فصل جديد من "الحرب" المستعرة، منذ نحو عشر سنوات، بين مدرب منتخب فرنسا ديدييه ديشامب ونجم ريال مدريد كريم بنزيما يؤكد حقيقتين ثابتتين؛ الحقيقة الأولى أن بنزيما لم يعد له مكان، من هنا فصاعدًا، في صفوف منتخب بلاده. والحقيقة الثانية أن العلاقة بين الرجلين بلغت من السوء والكراهية والعداوة حدًا لا يضاهى، حدًا يكرس قطيعة لا رجعة فيها.
اندلعت "مواجهات" جديدة بين اثنين من أنجح وأفضل وجهين في عالم كرة القدم الفرنسية حاليًا باعتراف الجميع؛ بنزيما آخر المتوجين بالكرة الذهبية وهدّاف ريال مدريد والفائز بالعديد من الألقاب الإسبانية والأوروبية، وديشامب بطل العالم مرتين: لاعبًا عام 1998 ومدربا لمنتخب بلاده عام 2018، إثر التصريحات التي أدلى بها ديشامب، يوم الجمعة 10 مارس/ آذار 2023، إلى صحيفة "لو باريزيان" كشف فيها أسرار مغادرة بنزيما لمعسكر منتخب فرنسا عشية انطلاق مونديال قطر 2022 الأخير بسبب الإصابة.
فقد أوضح ديشامب، حول ما حدث في الليلة الفاصلة بين السبت والأحد 19-20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أن بنزيما قال له إنه ليس جاهزا لخوض منافسات مونديال قطر 2022، وأنه زار بنزيما في غرفته برفقة طبيب المنتخب، وقال له عندما تركه: "كريم، ليس هناك حالة طارئة، يمكن تنظيم عودتك مع مدير الفريق"، وأضاف ديشامب: "عندما استيقظت علمت أنه رحل، كان قراره، لن يقول لكم خلاف ذلك، أتفهم ذلك وأحترمه".
تصريحات أثارت حفيظة بنزيما الذي رد عليها مساء نشرها (الجمعة 10 مارس) بسخرية وتهكم عبر حسابه الرسمي على "إنستغرام" بنشره لقطة لحديث ديشامب لصحيفة "لو باريزيان"، علّق عليها بعبارة: "يا لها من جرأة"، مضيفًا إليها رمزاً لمهرّج، ونشر أيضًا فيديو للفرنسي "ريتشي" الشهير على موقع سناب شات، وهو يقول: "كاذب كاذب، أنت كاذب"، وأرفقها ساخرًا بعبارة: "يا لك من ديدييه... ليلة سعيدة".
ومساء السبت 11 مارس، كرر بنزيما هجومه على ديشامب، مهدداً بفضح "أكاذيبه" وكشف الأسرار، ونشر عبر حسابه على "إنستغرام" صورةً له وإصبعه مرفوع إلى السماء، مرفقًا بعبارة: "حسنًا… سأضطر لتوضيح حقيقة الأمور للناس"، في رسالة يُفهم منها أنه قد يدلي قريبًا بتصريحات أو أحاديث لوسائل الإعلام يكشف فيها حقيقة ما جرى من وجهة نظره.
الكل في فرنسا ينتظر ما سيكشف عنه بنزيما لتوضع نقطة النهاية لهذه "القضية" التي بدأت تصيب الجميع في فرنسا بالملل. فالمنتخب مقبل على استحقاقات مهمة.
وهناك تساؤلات كثيرة حول الدوافع وراء إدلاء ديشامب بهذه التصريحات في هذا التوقيت بالذات، خاصةً أنه أحجم في السابق عن الخوض في الحديث عن علاقته المتوترة مع بنزيما.
ثم هل من مصلحة ديشامب أن يثير جدلًا و"صراعًا" عقيمًا في مستهل عهدة جديدة، عقب فشل في المباراة النهائية لمونديال قطر لا يزال الفرنسيون يتجرعون مرارته؟
ويعيب كثيرون، اليوم، على بنزيما تماديه في "عدائه" وهجومه على ديشامب بطريقة اللجوء إلى مثل هذه الرسائل "الغامضة" التي ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم يدركون أن الخلاف تجذر بينه وبين ديشامب منذ زمن يعود إلى عام 2015، عندما استبعده من المنتخب بسبب ما عُرِف حينها بقضية "الابتزاز الجنسي" التي كان ضحيتها لاعب المنتخب ماتيو فالبوينا، والتي حكم فيها على بنزيما بالسجن سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ وبغرامة مالية قدرها 75 ألف يورو.
وسرعان ما ازدادت العلاقة سوءًا مع ديشامب، وشهدت تدهورًا خطيرًا عندما قرر إبعاده عن المشاركة في منافسات كأس الأمم الأوروبية التي أُقيمت في فرنسا صيف 2015 فاتهمه بنزيما، في حديث مع صحيفة "ماركا" الإسبانية، بأنه "رضخ لضغط جزء من فرنسا العنصرية".
وكانت صحيفة "ليكيب" الرياضية الأولى في فرنسا قد ذكرت أن ديشامب لم ينس أن بنزيما تجاهله وتناسى ذكره تمامًا، حين توجه بالشكر إلى جميع مدربيه خلال حفل تتويجه بجائزة الكرة الذهبية. فهل كان قرار ديشامب بعدم إشراك بنزيما في أية مباراة في مونديال قطر انتقامًا منه ومن سلوكه ذاك؟
كره شديد متبادل ورغبة جامحة في الثأر وحب بلا حدود في الانتقام من الآخر، تهدد بتسميم الأجواء الرياضية في فرنسا.