ظفرالله المؤذن
اشتعل الجدال مجددا في في الكرة الفرنسية على خلفية الأنباء التي تتحدث عن صفقة بيع نادي مارسيليا العريق لمستثمرين أجانب، وهو النادي الذي كتب صفحة ناصعة ومضيئة في تاريخ الكرة الفرنسية لكونه النادي الوحيد الذي حقق دوري أبطال أوروبا في نسخته القديمة في عام 1994 مع جيل جان بيار بابان وديدييه ديشان وبازيل بولي وعبيدي بيليه ونجوم آخرين .
ومنذ سنوات أصبح هناك انكماش من قبل الفرنسيين لامتلاك أندية بسبب تراجع الثقة في الاستثمار الرياضي كما الأزمة التي تضرب "البيزنس والأعمال " في العالم تفاقمت بسبب وباء فيروس كورونا. وبالحديث عن تجربة أو مغامرة امتلاك الأندية الفرنسية يمكن القول إن تجربة نادي العاصمة باريس سان جيرمان هي الأنجح حتى الآن .
ففي يونيو من عام 2011 انتقلت ملكية النادي الباريسي من "كولوني كابيتال " الأمريكية إلى صندوق الاستثمار القطري، وكانت المرحلة الأولى شراء نسبة سبعين في المائة من رأس المال، وبعد عام واحد استحوذ صندوق الاستثمار القطري على بقية الأسهم ليصبح النادي ملكا لقطر بالكامل .
ويترأس النادي الباريسي، القطري ناصر الخليفي، الذي نجح في تعزيز الفريق بلاعبين على مستوى عالٍ، في مختلف الخطوط والمراكز، وأبرز الصفقات تحققت بالتعاقد مع النجم البرازيلي نيمار في صفقة تاريخية بلغت 222 مليون يورو، كما انضم مواطنه المدافع تياغو سيلفا، والإيطالي ماركو فيراتي، والمهاجم الأوروغوياني إدينسون كافاني، والجناح الأرجنتيني أنخيل دي ماريا، والفرنسي كيليان مبابي القادم من نادي موناكو، والذي أصبح اليوم أغلى لاعب في العالم وترشحه مواقع "الميركاتو " العالمية للانتقال إلى ريال مدريد في صفقة غير مسبوقة.
وعلى صعيد النتائج توهج بريق باريس سان جيرمان وهيمن هيمنة مطلقة على الكرة الفرنسية، محققا كل الألقاب المحلية الممكنة، أمام منافسين مثل نادي ليون ومرسيليا وليل وموناكو وسانت ايتيان. غير أن باريس سان جيرمان ما زال يمني نفسه بلقب أوروبي يغيب عن خزائنه حتى اللحظة. وتحول النادي الباريسي من رقم هامشي على الصعيد الأوروبي إلى رقم صعب رغم أنه لم يتخط عتبة الدور الربع النهائي في دوري الأبطال.
في المقابل فإن القيمة السوقية للنادي الباريسي قفزت في البورصة العالمية، وبات واحدا من أكبر الأندية امتلاكا للنجوم، ويكفي ذكر مثلث الرعب المتكون من نيمار ومبابي وكافاني يضاف إليهم النجم الأرجنتيني ماورو إيكاردي ومواطنه أنخيل دي ماريا.
الاستحواذ على تولوز
أصبح نادي تولوز تاسع ناد فرنسي تنتقل ملكيته إلى صناديق استثمارات أجنبية، بعد أن تم الإعلان عن استحواذ "كابيتال بارترنز " الأمريكي عن نسبة خمسة وثمانين في المائة من رأس المال، وجاءت هذه الخطوة لإنقاذ نادي تولوز العريق الذي هبط لمصاف دوري الدرجة الثانية لأول مرة منذ سبعة عشر عاما متأثرا بقرار الاتحاد الفرنسي بإنهاء المسابقة قبل نهايتها بعشر جولات واعتماد الترتيب الحالي.
وتظلم نادي تولوز للمحاكم ولمجلس الدولة الفرنسي مطالبا بحقه في الدفاع عن حظوظه للبقاء ضمن دوري الأضواء. وبلغت الصفقة نحو عشرين مليون يورو ووعد المستثمرون الجدد بإعادة تولوز إلى وضعه الطبيعي بضخ أموال تمكن الجهاز الفني من التعاقد مع لاعبين يحققون الصعود مجددا إلى دوري الأضواء.
جدل حول مارسيليا
يشكل نادي مرسيليا حالة خاصة في الكرة الفرنسية، فبعد هيمنة عائلة مارغاريتا دريفوس الشهيرة على مرسيليا لمدة عشرين عاما انتقلت الملكية للملياردير الأمريكي فرانك ماكورت القادم من بوسطن وهو من أصل إيرلندي، وأدى تذبذب نتائج العملاق الفرنسي الغائب عن البطولات وعن منصات التتويج إلى تفكير الملياردير الأمريكي في بيع النادي واستعادة الأموال التي استثمرها في ظل الكساد الحالي.
وطفا على السطح اسم ثنائي مغمور نسبيا في الساحة الفرنسية، ومنذ أيام تضج الصحافة الفرنسية بتقارير وأخبار ومقالات تؤكد قرب إنهاء صفقة البيع، وتقدم العياشي العجرودي وهو رجل أعمال فرنسي من أصول تونسية بمشروع مشترك مع رجل أعمال آخر من أصل جزائري ويحمل الجنسية الفرنسية لشراء النادي. وإذا كان العجرودي مغمورا ولا علاقة له بعالم كرة القدم في فرنسا، فإن رجل الأعمال الآخر مراد بوجلال وهو فرنسي من أصول جزائرية معروف في الأوساط لكونه بترأسه نادي تولون في فرنسا المتخصص في رياضة كرة (الرجبي)، وصرح هذا الثنائي بأنه يحمل مشروعا للنهوض بنادي مرسيليا في حال شراء النادي العريق.
في المقابل سفه جاك إيرو رئيس نادي مرسيليا كل الأخبار والتقارير المنشورة حول وجود نية لبيع مرسيليا، كما أن الأمريكي فرامك ماكورت وهو مالك النادي أعلن بأنه لن يبيع النادي، ما أثار سخرية الصحافة الفرنسية والتي أصبحت تغذي صفحاتها بهذه المادة الدسمة.
أموال روسية
وعلى غرار تشيلسي الإنجليزي الذي يمتلكه الملياردير الروسي رامان إبراهيموفيتش فإن نادي موناكو الفرنسي انتقلت ملكيته للملياردير الروسي فلاديمير ريبولوفليف، وضخ نادي الإمارة أموالا طائلة من أجل إعادة نادي موناكو العريق إلى بريقه وإلى وضعه الطبيعي على خارطة الأندية الفرنسية كواحد من أكثر الأندية فوزا بالألقاب، غير أن المليادير الروسي اصطدم بالقضاء الفرنسي بسبب قضايا قيل إنها تتعلق بالتحايل وتبييض الأموال، مما أسبغ على سمعة نادي موناكو شبهة الفساد.
الاستحواذ على نيس
ناد آخر كبير على خارطة الكرة الفرنسية وهو نيس الذي يقع في أجمل منطقة سياحية بفرنسا، وهو نادي نيس تم بيعه للملياردير البريطاني جيم راتكليف الذي يمتلك مجموعة كيمياوية مصنفة في البورصة، ولم يدفع هذا الملياردير سوى مئة مليون يورو فقط أي أن لاعب كرة أغلى من النادي، ما أثار استياء أهالي مدينة نيس، ومع هذا فقد وافقت بلدية مدينة نيس على صفقة البيع رغم أنها هزيلة لإنقاذ النادي من شبح الإفلاس. ولم يحقق نادي نيس نتائج باهرة مع المالك البريطاني واكتفى بلعب الأدوار الثانوية مثله مثل ليون ومرسيليا وليل وموناكو وسانت إيتيان.
مضخة أمريكية
ولم يشذ نادي بوردو العريق والذي تأسس في عام 1881 عن القاعدة بانتقال ملكيته إلى رأس المال الأجنبي من خارج فرنسا عن القاعدة عندما اشتراه الملياردير الأمريكي جوزيف داقروزا وهو مالك الصندوق الاستثماري الذي استحوذ على شبكة التلفزيون الفرنسية الخاصة
"M6". ولم يحقق نادي بوردو الإقلاع المتوقع وتميزت نتائجه بالتذبذب بسبب تواضع الإمكانيات المادية والتخبط في الاختيارات الفنية، كما أنه لم يصمد أمام هيمنة باريس سان جيرمان.
ويعتبر نادي ليل وهو أحد أندية شمال فرنسا العريقة المتأسس في عام 1944 واحدا من الأندية التي أثارت شهية رجال الأعمال ورؤوس الأموال الأجنبية، وانتقلت ملكية النادي إلى رجل أعمال يحمل الجنسية الإسبانية وجنسية دوقة لو كسمبورغ جيرار لوبيز، والذي أضاف ملكية نادي ميركوسير البلجيكي، وتحسنت حالة النادي مع قدوم لوبيز وحقق توازنا ماليا واستقرارا على مستوى النتائج. وفي دوري الدرجة الثانية تعود ملكية نادي أوكسير إلى رجل الأعمال الصيني جيميس زهو والذي جاء يحمل مشروعا لإعادة النادي العريق لدوري الأضواء.
وأصبح الصيني زهو مشهورا في فرنسا عندما تحدثت وسائل الإعلام المحلية عن مبادراته لمكافحة أزمة وباء فيروس كورونا، حيث قدم زهو هبة مالية للمستشفيات ومئة ألف كمامة لأهالي المدينة. وأنقذت الأموال الصينية أيضا نادي سوشو الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية من الاندثار عندما وضعت مجموعة "نينكينغ " الصينية يدها على النادي، وسارعت المجموعة بضخ كمية كبير من الأموال بمجرد انتقال الملكية، وتستحوذ هذه المجموعة على أعمال المنشئات والطرقات في المنطقة ما يعني وجود تضارب مصالح مثل ما ذكرت الصحافة الفرنسية.