بعد قراره توسيع قاعدة المشاركة في المونديال لتشمل 48 منتخبًا بدلًا من 32 اعتبارًا من نهائيات كأس العالم التي ستحتضنها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك عام 2026، فاجأ الاتحاد الدولي لكرة القدم مجددًا عالمي الرياضة والسياسة، يوم الأربعاء 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، باختياره إقامة مونديال 2030 في كل من إسبانيا والبرتغال والمغرب مع تنظيم ثلاث دول في أمريكا الجنوبية، هي الأوروغواي والأرجنتين وباراغواي، لأول ثلاث مباريات من هذه النسخة بواقع مباراة واحدة لكل دولة.
قرار فيفا يعد تاريخيًا؛ إذ يتيح لأول مرة مشاركة ثلاث قارات هي أوروبا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وست دول هي المغرب وإسبانيا والبرتغال والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي، في استضافة العرس الكروي العالمي منذ قرن بالتمام والكمال.
جاء هذا الاختيار الفريد بعد اتفاق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ونظيره الأفريقي والأمريكي الجنوبي على ترشيح الملف -الإسباني البرتغالي المغربي- المشترك لتنظيم مونديال 2030؛ مما جنب الدخول في صراع عنيف بين ملفين يجزم أصحاب كل واحدٍ منهما بأحقيته وجدارته؛ فالأوروغواي والأرجنتين وباراغواي ومعهم تشيلي استندوا في ترشحهم إلى رمزية تاريخية جوهرها الاحتفال بذكرى مرور مئة عام على تنظيم أول مونديال في أمريكا الجنوبية وتحديدًا في الأوروغواي، على غرار تنظيم باريس لأولمبياد 2024 بعد مرور مئة عام على آخر مرة استضافت فيها فرنسا هذه التظاهرة.
وفي المقابل ملف إسباني مغربي برتغالي قوي تعززه ميزات كبيرة اقتصادية وجغرافية ولوجستية وبنيات تحتية عديدة ومتطورة، ويحظى بدعم كبير من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي يضم 55 اتحادًا وطنيًا، ومن الاتحاد الأفريقي الذي يضم 53 اتحادًا وطنيًا، بالإضافة إلى مؤازرة اتحادات آسيوية؛ وخاصةً منها العربية والإسلامية، مما يرجح الكفة حسابيًا في حال تم اللجوء إلى التصويت.
نتيجةً لكل ذلك، وغيرها من الاعتبارات، تم الاتفاق على احتضان دول أمريكا الجنوبية الثلاثة للمباريات الثلاثة الأولى على أن تقام أولها في ملعب "سينتيناريو" الأسطوري في عاصمة أوروغواي مونتيفيديو، الذي شهد ميلاد النسخة الأولى، للاحتفال بالذكرى المئوية لانطلاق كأس العالم لكرة القدم عام 1930، والتي فازت بلقبها الأوروغواي إثر تغلبها في المباراة النهائية على الأرجنتين بأربعة أهداف لهدفين. ومنحت الأرجنتين هذا الشرف لكونها حاملة لقب مونديال قطر 2022، ووصيفة أول مونديال في التاريخ وحاصلةً على ثلاث كؤوس عالمية، وحظيت به باراغواي لأنها بلد مقر اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم "كونميبول".
كما أنصف القرار المغرب االذي ترشح لاستضافة المونديال للمرة السادسة بعد إخفاقه في خمس مناسبات سابقة؛ كانت أولها لنهائيات كأس العالم عام 1994. وقد كان اختيار انضمام المغرب إلى مشاركة إسبانيا والبرتغال نابعًا من معطيات موضوعية منها قربها الجغرافي من إسبانيا والبرتغال؛ مما يسهل انتقال المنتخبات والجماهير المواكبة للمباريات، وتوفر وسائل النقل والمواصلات وحسن ملاعبها وتطور بنياتها التحتية.
إضافةً إلى ذلك، ينطوي قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم على الإقرار بصعوبة تنظيم بلد واحد نهائيات كأس العالم في المستقبل في ظل مشاركة 48 منتخبًا وإقامة 104 مباريات. وبذلك قد تكون قطر آخر بلدٍ يحتضن بمفرده مثل هذه التظاهرة العالمية (مونديال قطر 2022)، باستثناء السعودية التي من المحتمل أن يقع اختيارها لتنظيم مونديال 2034؛ فقد أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم أن ملفات الترشح لتنظيم مونديال 2034 ستقتصر حصرًا على قارتي آسيا وأوقيانوسيا.
وفي خطوة رحب بها رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، سارعت الرياض على الفور إلى الكشف عن نيتها في استضافة النسخة المقبلة، بعدما تخلت عن تقديم عرض لتنظيم مونديال 2030 يضم السعودية ومصر واليونان ممثلة لقارات آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ومن غير المستبعد أن تواجه السعودية منافسةً أوقيانوسيةً من أستراليا، إما منفردة أو بمشاركة نيوزيلاندا، نظرًا إلى ما حققتاه من نجاح في تنظيم كأس العالم للسيدات 2023.
يبقى أن نشير إلى أنه بات من شبه المؤكد أن يستضيف البرتغال والمغرب مباراتي نصف النهائي للمونديال، وأن يحتضن ملعب سانتياغو بيرنابيو معقل نادي ريال مدريد في العاصمة الإسبانية المباراة النهائية يوم 14 يوليو/ تموز 2030؛ إلا أنه حتى نهاية العام المقبل 2024، موعد الموافقة النهائية من الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم، تظل هناك مسائل عديدة يستوجب حلها ووضع النقاط على حروفها، أبرزها المسائل السياسية والبيئية والتنظيمية وتوزيع المباريات بين الدول الثلاثة وغيرها.