أيها الألمان: في ستين داهية!

بواسطة Salwa.Alkheir , 2 ديسمبر 2022

فيلم هتشكوكي مرعب عاش تفاصيله المنتخب الألماني في دوحة المونديال، فلم يصدق أشد المتشائمين في ألمانيا أن يغادر (المانشافت) بطولة كأس العالم بهذه الصورة الدراماتيكية غير المتوقعة. 

لن ينام الألمان ولن يغمض لهم جفن، وسيظل كابوس مونديال قطر يطاردهم نهارا ويقلق مضاجعهم ليلا، وكعادة الألمان مع كل خيبة سيحتسون المانشيتات الصاخبة والعناوين الشاجبة على صدر صحافتهم الورقية، وسيلبسون الحق بالباطل ويدّعون أنّ خروجهم بهذا الوجه الشاحب أمر مدبر، لكنهم حتما لن يعترفوا أن عدالة السماء اقتصّت منهم.

لن يهدأ للألمان بال، ولن يصلح لهم حال، سينقبون في فضلات الغرور عن أشياء خفية يتصاعد من فوهتها الدخان الأبيض، سيمكثون أعواما يلعبون بورقتهم غير الأخلاقية مع كل (زنقة) أو ورطة، وحتما لن يقتربوا قيد أنملة من أسباب التصدع الداخلي التي دفعت بالمنتخب الألماني نحو الهاوية السحيقة، وتسببت في خروجهم المذل من الدور الأول بدون حتى خُفّي حنين.

سيتعاطى الألمان حبوب (الهلوسة)، سيهرفون بما لا يعرفون، وسيهذون في حلهم وترحالهم عن مؤامرة خفية نسج خيوطها الإسبانيين واليابانيين في ليلة ليلاء هوى معها (المانشافت) من حالق، كجلمود صخر حطه السيل من عل.

هناك من انتظر السقوط الألماني المدوي والمروع قرابة 40 عاما، وهم الجزائريون الذين شربوا من حنظل التواطؤ والتلاعب بالنتائج، كانوا يثقون تماماً أن الألمان سيدفعون فاتورة ما اقترفوه من قبح دميم في صيفٍ إسباني ضيع فيه الألمان كل لبن النزاهة، ولن يفلتوا بفعلتهم الشنيعة التي ارتكبوها في مونديال إسبانيا عام 1982 التي تسببت في أكبر شرخ أخلاقي لحق بتاريخ بطولات كأس العالم.

*الآن حصحص الحق وذبح الألمان أنفسهم في مونديال قطر من الوريد إلى الوريد بسكين غطرستهم وخنجر غدرهم.

فآخر من يمكنه أن يتحدث عن مؤامرة مفترضة ألقت بمنتخبهم في غياهب الجب، وحولت حظوظهم ببلوغ الدور الثاني إلى هشيم تذروه الرياح هم الألمان أساتذة الضحك على الذقون، وآخر من يحق لهم الترويج لمؤامرة إسبانية- يابانية لإلحاق الضرر بمنتخبهم هم الألمان فرسان ذر الرماد في العيون.

من هذا المنطق تصبح ثرثرة الألمان عن استهدف (المانشافت) مجرد نفخ في القربة الألمانية المثقوبة، على أساس أنّ ادعاء الألمان بحدوث اتفاق ياباني- إسباني شديد الشبه بشخص عارٍ يدعو الناس للفضيلة والأدب، وهو أمر يستدعي التعاطي بجدية مع المثل: شر البلية ما يضحك.

لأكثر من أربعين عاما والألمان خارج حسابات المساءلة الأخلاقية عن فعلتهم القبيحة مع النمساويين، عندما تواطأ الطرفان في فضيحة (خيخون)؛ للقضاء على المنتخب الجزائري وحرمانه زورا وبهتانا من بلوغ الدور الثاني. 

فقد دخل منتخبا ألمانيا والنمسا ملعب (خيخون)، وقد وضعا في بطنيهما كل بطيخ الصيف، وعندما أحرز العملاق هروبش الهدف الألماني الوحيد بطريقة كوميدية مضحكة تذكرك بالكوميديا الفاقعة التي كان يقدمها العبقري شارلي شابلن، تحولت الدقائق الـ80 المتبقية إلى مسرحية هزلية على مرأى ومسمع رئيس الاتحاد الدولي وقتها، البرازيلي جواو هافيلانج.

وتأهل منتخبا ألمانيا والنمسا معاً دون وجه حق، وغادر منتخب الجزائر مسرح الحدث المونديالي وفي قلبه حرقة، وفي عينه دمعة، وفي حلقه غصة، وسط تعاطف شعبي كبير، لكن هذا التعاطف لم يتحول إلى تحقيق أو مساءلة قانونية أو أخلاقية، ونجا الألمان بفعلتهم الدميمة من عقاب الدنيا بقدرة قادر، من دون أن يدور بخلدهم أن عدالة السماء لن تسمح بمرور هذه المأساة دون عقاب ولو بعد أربعين عاما، فكما تدين تدان، والعين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.

صحيح أن الألمان يصرخون ويحاولون إقناع العالم أنهم خرجوا من مونديال قطر بمؤامرة، لكن حتى همزهم وغمزهم ولمزهم مر مرور الكرام على طاولات الكرام واللئام معا، ليس لأن حججهم بالية فحسب، ولكن لأنهم يُسقطون ذنوبهم على الآخرين معتقدين أن الإسبانيين واليابانيين اقتدوا بما فعلوه بالجزائر، وهذا محال ووهم وخيال.

وبالنسبة إلى عبد الله فإنه يشعر براحة نفسية لخروج الألمان المذل من المونديال، ولا أظن أن هناك عربيا واحدا يشعر بالتعاطف أو خيبة الأمل على مغادرة هذا المنتخب الذي بدأ مشواره في الدوحة بصورة مهينة للقيم والأخلاق والشرف الرفيع. 

سعيد بهذا الاندحار الألماني السمج من الدور الأول؛ لأن هذا المونديال العربي ينفض عن العالم الغربي غبار العنصرية، ويغسل العالم من أدران المتاجرة بأخلاق الأمم المحافظة، أقولها دون أن أخشى في الحق لومة لائم: "أيها الألمان: باب مونديال قطر يدخل مئة مليون جمل، وفي ستين داهية".

Image
خسارة المنتخب الألماني بعد الفوز الياباني على أسبانيا (Getty)
Opinion article
Off
Source
Show in tags
Off
Caption
المنتخب الألماني غادر كأس العالم 2022 من الدور الأول (Getty)
Show Video
Off