أمال بلحاج
انتقلت مباريات الرجاء والوداد المغربيين من المستطيل الأخضر إلى المدرجات، وانقلبت معها الآية؛ إذ تحوَّل اللاعبون إلى متفرجين ينبهرون بما تقدمه الجماهير من إبداعات، ويؤرِّخون اللحظة بأخذ صور تذكارية من مقاعد البدلاء، وذلك بعدما خلق أنصار الفريقين ثورة جديدة في عالم الأولتراس، وجعلا من أساليب التشجيع وصناعة "التيفو" علوماً تُدرس نهاية كل أسبوع، بمدرجات "الكورفيتين سود ونور".
تطوّر مستوى أولتراس الوداد والرجاء بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ودخلا سباق المنافسة من مدرجات الملاعب، بحثاً عن التتويج بلقب الدوري نهاية الموسم، أو بالأحرى الفصيل الأكثر إمتاعاً خلال السنة، لاسيما أن المنافسة تزيد من حدّة الإبداع، وترفع من سقف الإبهار، كما أنها تكشف نهاية كل أسبوع في الدوري المغربي عن تقنيات جديدة في عالم التشجيع، أما مباراة "الديربي" فتكون الحدث الأبرز للموسم والعرس الكروي الأكبر، بالنظر لما سيقدمه الفصيلان من "خيال" جديد.
تتَّجه أعين العالم بأسره إلى مدرجات "دونور" أو محمد الخامس في الدار البيضاء، خلال كل مباراة "ديربي" ستجمع بين أقوى الأندية العربية وأفضل الجماهير؛ إذ يحاول كل فصيل الظهور بحلة مختلفة عن المباراة السابقة، سواء باستخدام تقنيات جديدة في التيفوهات أو اختيار رسائل قوية، وذلك من أجل الفوز بالمباراة من المدرجات والحصول على الأفضلية، أما اللاعبون الموجودون على رقعة الميدان فيستلهمون قوتهم من الجماهير، ويحاولون الفوز بالنقاط الثلاث تكريماً لمجهوداتهم.
وأصبحت الأولتراس المساندة لجماهير الرجاء والوداد، تدخل التصنيفات العالمية منافسة كبار جماهير الأندية الأوروبية، بسبب ما تقدمه من إبداعات وأساليب تشجيع جديدة؛ إذ لم تعد تقتصر على سباق المنافسة العربية بل تعدّته لتصل العالمية، كما سبق للعديد من المنابر الإعلامية المرئية والمكتوبة على المستوى العالمي، أن أشادت بالمستوى الكبير الذي تقدمه هذه الفصائل، معتبرة إياها ثورة من ثورات عالم حركية الأولتراس.
وبعيداً عن عالم الإبداع والإبهار، ساند أولتراس "غرين بويز" و"إيغلز" الرجاء الرياضي، وإلترا "وينرز" الوداد الرياضي، وهم أول من تبنوا القضايا السياسية والشبابية في تيفوهاتهم وشعاراتهم وأغانيهم، لتمرير رسائلهم إلى من يهمهم الأمر، لخلق صراع ومنافسة جديدة في المدرجات، بين من يدافع عن قضية أو ينتقد وضعية ما بطريقة مثالية وبروح رياضية، تجعل المتتبع أو المشاهد ينبهر بها.
وإن التغييرات التي أقدمت عليها الأولتراس خلال الفترة الأخيرة، وإدخالها الجانب السياسي بالمنتوجات التي تقدمها داخل المدرجات، جعلها تكسب تعاطف المجتمع وتغيّر نظرته لها المتمثِّلة في أن روابط الأولتراس يتسببون في أعمال شغب فقط، فهي جعلتهم محطّ اهتمام الصحافة العالمية والمتابعين من جميع الجنسيات، خصوصاً أن رسائلهم تختلف من قضية إلى أخرى، كما أنهم يعتمدون لغات عدة لإيصالها إلى من يهمّهم الأمر.
{"preview_thumbnail":"/sites/default/files/styles/video_embed_wysiwyg_preview/public/video_thumbnails/aoGh-SjPJKM.jpg?itok=vg_XmxTf","video_url":"https://www.youtube.com/watch?v=aoGh-SjPJKM","settings":{"responsive":1,"width":"854","height":"480","autoplay":1},"settings_summary":["Embedded Video (Responsive, autoplaying)."]}
"في بلادي ظلموني".. الجميع تفاعل مع هذه الصرخة الرجاوية التي تحكي عن واقع الشباب في المغرب واعتماد المسؤولين سياسة القمع، وقبلها "خاوة خاوة ماشي عداوة"، أغنية مُقدّمة للشعب الجزائري في عز الأزمة السياسية بين البلدين، أما القضية الفلسطينية فقد تبناها الجمهور الرجاوي منذ زمن، سواء من خلال ترديده أغاني عن البلد أو تيفوهات تعبّر عن نصر قريب للشعب بعد سنوات الظلام.
ودافعت الجماهير الودادية عن مجموعة من القضايا السياسية التي تمسُّ فئات معينة من المجتمع؛ إذ ما يزال الجميع يردِّد كلمات "قلبي حزين" التي تحكي عن معاناة الشباب في المغرب، دون نسيان بعض الرسائل والتيفوهات التي تعبِّر عن واقع من نوع آخر، فقد أبدعت في تمرير رسائلها، والاستعانة بأساليب مختلفة من أجل الدفاع عن قضية ما بطريقة حضارية.
تجاوزت المنافسة بين أولتراس الرجاء والوداد الرياضيين حدَّ الإبداع الكلاسيكي، بل انخرطت في الدفاع عن قضايا مهمة تهمُّ المجتمع، لكن بطريقة إبداعية وحضارية، ما جعلها محط اهتمام متابعي كرة القدم عبر العالم، بل مرآة للأولتراس العربي عامة والمغربي خاصة، فيما باتت تُصنَّف من بين أفضل الفصائل في العالم لجمعها بين الإبداع وروح النضال، وهو ما يظهر جانب الوعي لديها.