من السهولة أن تعيدَ الثِقة لِمن فقدها.. شريطة أنْ يكونَ مؤهّلاً للتكيُّف مع وضع جديد رُبما لم يستشعِر به سابقاً، ويكون أكثر اندفاعاً وحماسة للنجاح كأنّه وُلدَ توّاً بيدين طاهرتين وقلب لا تغلظه المُكابرة عند النظر للجميع.
ستجد صعوبة كبيرة في محاولة إعادة الصواب لعقلٍ مُغلق إزاء قضيّة تتعارض مع مصلحته وتصيبه في مقتل، لكنّه يتظاهر بالتباكي على مصير الآخرين، لعلّه يستعطف أنفاراً من مؤيّدين على شاكلته، فلن يجد سوى عناده يضاعف محنته، ويسقطه من عيون الحكماء!
هكذا بدت لنا الصورة مُتناقضة في تعاطي الأندية الرياضيّة العراقيّة مع اللوائح الانتخابيّة التي أشرفت عليها وزارة الشباب والرياضة لسنين طويلة منذ عام 2003 قبل وفي أثناء مؤتمراتها لانتخاب هيئات إدارية جديدة في بغداد وبقية مُدن العراق تحمل أمانات الهيئات العامة بكل ثُقلها وإمكاناتها المُتاحة لانتشالها من واقعها المُزري الذي أضعف إراداتها، وقوّض مشاريع إعداد أبطال الرياضة الحقيقيين في مختلف الألعاب التي أخذت تضمحلُّ وتغدو كالسراب في أفق رؤية أي نادٍ للمستقبل.
وإذ كُنّا نُشاطر السواد الأعظم ممّن طالبوا وزارة الشباب والرياضة بإلغاء فقرة "الاستثناء" في بعض بنود اللوائح بحجّة سماحها لدخول طارئين من الشبابيك الخلفيّة لقاعات المؤتمر رُبما يجدون الفرصة مواتية للجثم على صدور الإدارات أربع سنوات وأكثر، إلا أننا لا نجدُ مبرِّراً خطيراً يمنع بعض أبطال الرياضة العراقيّة الذين صنعتهم الفترات الذهبيّة بكلّ ما تعنيه من تهذيب للسلوك والتزام بالمبادىء الروحيّة للتنافس أن يتقدّموا بملفّات ترشيحهم للمواقع؛ مستفيدين من امتياز اعتباري أعارت له الوزارة أهميّة مناسبة كي لا يجد هؤلاء أنفسهم خلف أسوار العُزلة وتخلى ساحة الرياضة من جديد لجهلة مبادئها وإن تفاخروا بظهورهم القوي.
دعونا نُقشّر الأزمة ونصل إلى لُبّها.. إن أكثر المُعترضين استغلّوا دلال الإعلام لهم وتحوّلوا بين ليلة وضُحاها إلى نجوم (هوليود الفضائيّات المحليّة) ينهون ويأمرون مثلما يشتهون، يُزمِّرون لاجتهاداتهم، ويرفعون سيوف الاحتجاج لكلّ من يُخالف آراءهم، ومستعدّون لمسخ صور نُبلاء الرياضة إذا ما هدّدوا مواقعهم وأرجفوا شخصيّاتهم الهزيلة.
نعم هناك أمّيون في أنديتنا دحرجوها إلى الخلف، وبلغت مرمى العوز بسبب كسلهم واتكائهم على منح (الحكومة ورجال الأعمال) التي لم تسلَم من العبثيّة والفوضى بعد أن اتهم بعض مسؤولي الأندية الرياضيّة بعدم توزيعها بعدالة على المستحقّين وأطلقتْ حول منافذ صرفها آهات الشكوك وقهقهات التندّر.
نتمنّى أن يكون دور مكتب الأندية المُستحدَث في اللجنة الأولمبيّة الوطنيّة يتماهى مع لوائح وزارة الشباب والرياضة في إحداث تغيير واسع في هيكليّات مجالس إدارات الأندية الحاليّة لما تتطلّع إليه من رُقيّ وتحديث في أسلوب قيادتها لتكون نموذجاً يرتقي مع متطلّبات الدخول لمرحلة الاحتراف بدءاً من الموسم 2023-2024 وشروطه الصعبة التي بقيت عصيّة على الأندية العراقيّة التي سبق أن هُدِّدَتْ بالإقصاء من جميع البطولات القاريّة ما لم تلتزم بمعايير الاحتراف مضموناً لا شكلاً.
للأسف أصبحت بعض الأندية مُختطفة لمجموعة ما تؤمن بنصيب الديمقراطيّة ومحطّات (الصعود والنزول) لقطارها المُتحرّك، ومع ذلك تُقاتل بكلّ وسيلة لتتشبّث بالمقاعِد حتى خُيّل لها أن تلك الأندية هي عقارات مُلكيّة مستورثة من أصوات الناخبين ولن يعتقوها لغيرهم.
لهذا ستبقى الأندية الرياضيّة في العراق وحتى في بعض البلدان العربيّة التي تؤمِن بالانتخاب الحُر وفقاً لأصول الديمقراطيّة؛ لكنها تعمل على تحصين شخوص رؤساء هيئاتها الإداريّة لثلاث أو أربع دورات، وبعدهم تأتي ببُدلاء لهم على شاكلتهم، ستبقى هذه الأندية تُعاني من أي دورة انتخابيّة جديدة ما لم يُشرَّع القانون الجديد مثلما يتمُّ العمل بصمتٍ حاليّاً لسنّ (قانون الرياضة الموحّد) بتشاور -حكومي رياضي قانوني- ولعلّ من أبرز الحلول المُنقِذة لأوضاع الأندية هو طرحها للاستثمار في المستقبل القريب لتستقلّ بكياناتها الإداريّة والحسابيّة، وتستقطب فئات مختلفة من المجتمع وفي مقدّمتهم الأثرياء كي يقصدونها كنوادٍ اجتماعيّة قبل أن تكون رياضيّة ويغدقون عليها بصفتهم أعضاء مسهمين وفاعلين في تنميتها والارتقاء بصروحها في مشاريع ذات جدوى اقتصاديّة تدرُّ على مجالس إداراتها ورياضييها عوائد ماديّة كبيرة متى ما احتكم رؤساؤها لمنطق العقل وتخلّوا عن أطماعهم وأنانيّتهم حين تظلم دُنيا الانتخابات في عيونهم، ولن يُسلّموا ذممهم للفائزين الجُدد ويعمدون إلى خلق الأزمات بروحيّة (أنا.. ومن بعدي الطوفان).