أكاديميات الكرة في الجزائر.. بين الحلم والوهم

بواسطة messaoud.allel , 1 يونيو 2020

مسعود علّال

 

فتح نجاح المنتخب الجزائري الأول لكرة القدم في التتويج بلقب كأس أمم إفريقيا العام الماضي في مصر للمرة الثانية في تاريخه، الباب واسعا أمام الجدل والنقاش الدائرين حول التناقض الذي تعيشه الكرة الجزائرية أمام تراجع مستوى ونتائج الأندية على الساحتين المحلية والقارية، بخلاف المنتخب الذي أبدع على أرض "الفراعنة" خاطفا الأنظار من أقوى منتخبات القارة السمراء.


ولعل أبرز المواضيع التي غالبا ما تحظى بأهمية شديدة ونقاش واسع، هي مسألة تنشئة اللاعبين على مستوى الأندية والجمعيات الرياضية، إذ يبدو تكوين الشبان غائبا أو غير منجز بالطريقة المناسبة على مستوى الأندية خاصة التي تحمل صفة "الاحتراف" منذ العام 2010.


وواجهت الكرة الجزائرية معوقات عدة قصد التتويج بالألقاب والحصول على العصافير النادرة لصناعة نجوم المستقبل، خاصة بالنسبة للمنتخب الأول، ما اضطر الاتحاد الجزائري للعبة للاستعانة بعشرات اللاعبين مزدوجي الجنسية المولودين في أوروبا، وبفضلهم تمكن "الخضر" من بلوغ كأس العالم مرتين متتاليتين 2010و2014، وكذلك نيل اللقب الإفريقي العام الماضي.

 

اندثار مدارس وعجز أندية
إلى غاية تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية، كانت بعض الأندية الجزائرية خزانا حقيقيا للمواهب الكروية، على غرار أندية نصر حسين داي ورائد القبة واتحاد الحراش، وجمعية وهران ووفاق سطيف، وصنعت هذه المدارس ربيع الكرة الجزائرية منذ الثمانينيات على غرار جيل مونديالي 1982 و1986 وكأس إفريقيا 1990 التي توجت بها الجزائر.


 إلا أنه سرعان ما تلاشت هذه الأندية وتراجعت نسبيا عن سياسة تكوين الشبان مع التغيرات التي حصلت في قطاع الكرة بالبلاد، وتبقى أكاديمية بارادو الوحيدة التي صنعت الاستثناء بعد أن صنعت العديد من النجوم الذين يصنعون اليوم أفراح الجماهير الجزائرية. 


موازاة مع عجز أو "رفض" الأندية المحترفة انتهاج سياسة رشيدة لتكوين وتنشئة اللاعبين، إذ أنها لا تهتم إلا بالفريق الأول للنادي وصرف مبالغ مالية خرافية للتعاقد مع اللاعبين، استغلت بعض الأطراف الفراغ الموجود فيما يتعلق بتكوين اللاعبين ورغبة الشبان في سلك طريق النجومية، وقامت بافتتاح أكاديميات ومدارس لتلقين الأطفال والشبان لعبة كرة القدم.

 

200 أكاديمية..هواجس وشكوك
 وبلغ عدد هذه المدارس الكروية قرابة 200 مدرسة ما بين جمعيات رياضية وأخرى خاصة لمستثمرين محليين وأجانب، كما انتشرت أكاديميات تحمل أسماء أندية لامعة في أوروبا على غرار ميلان الإيطالي، برشلونة وإسبانيول وبلد الوليد الإسبانية، وليفربول الإنجليزي ومارسيليا الفرنسي، لكن سرعان ما انتشرت تساؤلات كثيرة بشأن مدى صدق نيات هذه الأكاديميات وأهدافها، وأبرز تلك الهواجس والمخاوف كانت متعلقة بالدرجة الأولى، بالأموال الكثيرة التي تطلبها هذه الأكاديميات نظيرقبول الأطفال والشبان داخل أسوارها والحجم الزمني الخاص بالتدريبات.

 

يضاف إلى ذلك الشكوك التي تحوم حول صحة الملفات الإدارية لهذه الأكاديميات، إذ أن أغلبها لا يستجيب لشروط التكوين بمفهومه الحقيقي، وغير حاصلة على الاعتماد وخارج رقابة الهيئات الرياضية، فضلا عن غياب نصوص قانونية تضبط طريقة إنشاء هذه الأكاديميات وتحدد مهامها، خاصة وأنها تضم أطفالا في سن حساسة جدا ما بين الـ3 سنوات إلى 16 سنة، ويبقى أبرز سؤال لا يزال مطروحا إلى الآن هو: هل تهدف هذه الأكاديميات فعلا لاكتشاف المواهب وصقلها خدمة للكرة وللشبان، أم أنها تستهدف التحايل قصد الاستثمار وتحقيق الأرباح المادية؟

 

حقائق صادمة ونادي ميلان في عين العاصفة!!

وكشف تحقيق بثّته قناة "الشروق" الجزائرية العام الماضي عن حقائق صادمة بخصوص أكاديميات الكرة في الجزائر، إذ أماط اللثام عن وجود فراغ قانوني استغله بعض الأشخاص أغلبهم لاعبون قدامى من أجل فتح شركات تجارية، حيث تدوّن صفة هذه الأكاديمية في السجل التجاري على أساس أنها ناد محترف.


وتوصّل التحقيق على سبيل المثال إلى أن أول مدرسة أنشئت في الجزائر كانت سنة 2012 وكانت نتاج إبرام اتفاقية تعاون بين ممثل "مزعوم" لنادي ميلان الإيطالي وجمعية محلية تدعى "إيكسيلانس القبة" بالعاصمة الجزائرية، وأوضح نفس المصدر أنه قد تبين فيما بعد أن هذه المدرسة لم تكن سوى عبارة عن استغلال وهمي لاسم النادي الإيطالي العريق دون وجود أي علاقة رسمية معه.


أضاف التحقيق أنه وبعد تألق الجزائر في كأس العالم 2014 بالبرازيل، ظهرت عدة مدارس في الجزائر مثل "برشلونة سوكر" و "تكنو برشلونة"، والتي وظّفت شعار النادي الكتالوني وألوانه رغم عدم امتلاكها علاقة رسمية مع "البارسا"، وأسهم ذلك في استمالة وجذب الأطفال (من 6 إلى 13 سنة) نحو الانخراط في هذه المدارس، بينما وقف التحقيق على وجود أكاديميات على ارتباط حقيقي بالنادي الأصلي على نادي إسبانيول برشلونة، الذي قام بإرسال عدة أطفال إلى مركزه التدريبي ببرشلونة قصد التدرب هناك للحصول على فرصة الانضامام للفريق.

 

أكاديمية بارادو: مصنع النجوم الذي يصنع الاستثناء

وبالموازاة مع ذلك، ومع وصول مالك نادي بارادو خير الدين زطشي لرئاسة اتحاد الكرة الجزائري في ربيع العام 2017، رافع لمصلحة بناء مراكز تكوين كبيرة في البلاد بعد نجاحه في مشروع أكاديمية بارادو، وبالفعل تم التصديق على هذا المشروع خلال جمعية عمومية استثنائية في خريف العام 2018، وأطلقت مشاريع لبناء أربعة مراكز عبر أنحاء البلاد، مع استفادة الاتحاد الجزائري من مراكز رياضية أخرى جاهزة قام بترميمها وصيانتها.

وبخصوص مدارس الكرة المنتشرة في الجزائر، فقد قال زطشي في تصريح سابق لـ"الجزيرة.نت": "لست ضد فكرة الإعداد والتكوين، لكن في حال تغليب الجانب المادي فإن هذه المدارس الكروية تصنف ضمن إطار التجارة والربح السريع، دون مراعاة جانب التطوير وصقل المواهب."


وحتى إذا كانت أكاديمية بارادو لا تطبّق عملية تكوين اللاعبين وتنشئتهم وفق مفهوم التكوين بمعناه التام، إلا أنها تبقى إلى حد الساعة أفضل نموذج ناجح في هذا المجال، حيث انطلقت الأكاديمية في عملها عام 2007 بإشراف جهاز تدريبي فرنسي بقيادة جون مارك غيّو وشقيقه أوليفييه، الشهيرين بإشرافهما على عدة أكاديميات ناجحة في القارة الإفريقية.


 وبالفعل نجحت أكاديمية بارادو في صناعة الكثير من النجوم وتحويلهم للاحتراف في أوروبا على غرار يوسف عطال، ورامي بن سبعيني، وزكريا نعيجي، والطيب مزياني وفريد الملالي، وهشام بوداوي وهيثم لوصيف في انتظار نجوم آخرين، وعاد ذلك بالفائدة على الأكاديمية التي جنت ملايين اليوروهات، وكذلك على المنتخب الجزائري الأول الذي نال اللقب الإفريقي العام الماضي.

Bensebaini et Atal en sont issus, découvrez dans les prochains jour sur @dzfoot plusieurs reportages au sein de l’académie du @officielparadou, un club proche du titre avec une équipe jeune qui sort de son centre de formation, un cas unique en Algérie #TeamDZ pic.twitter.com/gZde1hRtSR

— DZfoot (@DZfoot) April 30, 2019


وقال زطشي لـ"الجزيرة.نت": "فلسفة أكاديمية بارادو تعتمد على البحث والتنقيب عن المواهب الشابة في الجزائر، واختيار أحسن العناصر"، مضيفا: "الفرق شاسع بين أكاديميتنا وهذه المدارس المنتشرة في البلاد، والفرق هو أننا نبدأ التكوين والإعداد في سن ما بين 12 و13 سنة، واللاعبون يتدربون ويدرسون ويمارسون أنشطتهم اليومية داخل الأكاديمية كما هي الحال في البلدان المتطورة في هذا المجال".


بينما قال ناصر فارح المدرب بمدرسة برشلونة لذات المصدر أيضا إن هذه المدارس مهيكلة بطريقة قانونية، وإن المدربين الذين يتكفلون بهؤلاء الأطفال محترفون، نافيا أن يكون الغرض من الأكاديمية ربحيا، وقال: "كل المال الذي نأخذه من أولياء الأطفال نسدد به فواتير إيجار الملاعب واقتناء الكرات والعتاد، وهي مبالغ كبيرة".
وأمام الضبابية التي تكتنف موضوع مدارس وأكاديميات الكرة في الجزائر، قرر الاتحاد الجزائري لكرة القدم في العام الماضي احتواء هذا الأمر، وفرض رقابة شديدة على نشاط هذه الجمعيات، إذ قام بفتح بوابة خاصة على موقعه الإلكتروني الرسمي لإحصاء الأكاديميات الموجودة في البلاد ومراقبتها.
 


 

Image
algeria academy.jpg
Caption
الشبان في الجزائر يحلمون بسلك طريق النجومية عبر كرة القدم(Getty)