أدب المدرّب في مواجهة الإعلام! 

بواسطة Salwa.Alkheir , 12 مارس 2023

ما أنفكَّ بعض المدرّبين الذين يعانون قصوراً في رؤية مصلحتهم الخاصة والعامّة خلال مشوارهم الرسمي مع منتخبات بلدانهم يُطالبون الإعلاميين بدعمِ لاعبيهم، لما لذلك من تأثير نفسي يُّعزِّز الحالة المعنويّة لتقديم الأداء المُتميّز في المنافسات الرسميّة "العربيّة والآسيويّة والدوليّة".

وما أن يُمارس الإعلامي الحَذِق دوره الوطني في تبصير أي مدرب "من ذوي الخبرة المحدودة " عن أخطاء شنيعة تسبَّبت في إضاعة فرص التقدُّم أو خسارة نقاط مهمّة أو إقصاء المنتخب من بطولة، سُرعان ما تكون ردّة فعل المدرّب سلبيّة، ويأخذ بالتشكّي والتذمُّر بشدّة، كأن الإعلامي استهدفَ نزع الثقة عنه أمام الجمهور واتحاد اللعبة وحضّ الأخير على تغييره في أقرب مناسبة مثلما يتوهَّم.

ونتيجة الضغوطات التي يُمارسها بعض المدرّبين على الاتحاد خاصّة عندما يكون رئيسه ضعيفاً ولا يقوى على اتخاذ القرار الفني اللازم، فمن الصعب عليه حفظ مصلحة منتخبات الفئات العُمريّة من خطر العبث على يد مدرّبين هُم بحاجة إلى الدورات المكثّفة والدروس المتكرِّرة والتجارب الرصينة قبل المُغامرة بمصير أي منتخب يُسلَّم إليهم، فمستقبل الجيل الكروي لأعمار (تحت 13 و15 و17 و19 و23) هو أمانة لا يجوز التهاون بتسمية أي جهاز فني له من دون دراسة تاريخه ومحطّاته ونتائجه وأبرز نقاط تقييمه من قبل لجنة تضمُّ كبار العاملين في شؤون التدريب من مستشارين ومُديرين فنيين سابقين عاصروا مئات اللاعبين من أزمنة بعيدة، ولن يخفى عنهم المدرب الناجح وزميله الفاشل مهما كان نجم الملاعب في عزّ أيام شبابه وتألّقه مع منتخبات الوطن.

فالمُدرب الذكي والطامح للنجاح في مسيرته عليه التعامل بأدب الاستماع أو قراءة الانتقادات لجميع الإعلاميين، ولا يدخل معهم في حرب التصريحات التي لا خاسر فيها سواه.

لا بد أن يعي أهميّة الرد على النُقّاد داخل المستطيل الأخضر، وليس خلف ميكروفون مؤتمر صحفي أو في برنامج حواري، كأنّه يُعلن عن خصومته علانيّة خارج سياق الطرح المألوف، وفي ذلك إساءة لنفسهِ أوّلاً وللمنتخب وللاتحاد الذي اختاره دون بقيّة زملائه وفقاً لمعايير فنيّة مُعتمدة أو إذعاناً لضغوط ما حسب ظروف عمل كلّ اتحاد.

ليس أمام أي مدرب سوى مواجهة الإعلام إلا أن يُجيد التحدّث بكياسة وتوازن حكيم بسُلوكٍ حسنٍ يكسب فيه احترام الإعلام والجمهور الرياضي وحتى لاعبيه أنفسهم الذين يطمئنون لهدوئه من دون أيّ انفعال يسبق مبارياتهم في الصحافة والتلفاز.

لا يمكن أن يُجرَّد الإعلامي من عاطفتهِ تجاه بلده، مثلهُ مثل المدرّب، يُريد له التقدّم ونيل المراكز الأولى وتحقيق الفوز بمشاعر مواطن مع الفارق أن نقد الإعلامي مُراقب من قبل مؤسّسته، ومن غير المُمكن أن يخرجَ عن الحدود المسموح بها، أما المواطن فمن حقّه أن يُعبّر باحترام عمّا يخالجهُ في صدره بحريّة مكفولة دستوريّاً، ولا يقبل بالخسارة حتى إن كانت مُستحقّة نتيجة سوء المستوى وعُقم الفكر التدريبي للمدرّب.

ينبغي أن يرفع الفوز المدرّب فوق منصّة التواضع والشعور بمسؤوليّة المهمّة التالية، لا أن يغترَّ بكلام المدّاحين ويُحلّق فوق السحاب، أما الخسارة فتُلقّنهُ درساً في كيفيّة تفادي الأخطاء، لا سيما غير المنظورة لها، كي يبحث عن أي قصور ذاتي أسهم في ترك لاعبيه فريسة أمام هجوم المنافس، وإذا لم يُحسِن التصرّف باتزانٍ مع كلا الحالتين، فإنّه سيفقد الثبات النفسي وينظر لِمَنْ حوله بتعالٍ وعجرفة، ويخرج عن حدود المهنة التي سُمّي من أجلها، وتصطاده كاميرات التلفزة بتصريحات تنمُّ عن رَجُل حَنِق بحاجة إلى إعادة النظر في موقفهِ تجاه مُنتقديه.

اتحادات كرة القدم في الدول العربيّة بحاجة إلى توعية المدرّبين العاملين مع فرق الفئات العمريّة بضرورة احترام آراء رجال الإعلام، والتناغم معها من أجل تصحيح العمل، والتنبيه عن نقاط مفصليّة في أسلوب اللعب أحياناً يغفل عنها ملاكه الفني المساعد، ثم إن الإعلامي لا يُنافس المدرّب في مهمّته بقدر مشاطرته الحرص على ظهور اللاعبين بالمستوى المُشرّف كواجب وطني وليس منّة، فلِمَ التَّطيُّر من النقد وكشف مكامن ضُعف الفريق؟!

للمدرب صلاحيّة مُطلقة في منطقته الفنيّة يختار خُطّة اللعب، والعناصر المُنفِّذة لها ما يشاء حسب ما دوّنهُ في مُفكِّرته عشيّة المباراة، لكنّه عندما يواجه الإعلام عليه الالتزام التام بعدم إثارة الجدل أو انتهاز فرصة تصفية الحساب، وعليه أيضاً الابتعاد عن المُشاحنة بسبب سؤالٍ مُبطَّنٍ يُمكن أن يرفضَ الإجابة عليه أو يردَّ السائِل بكلمتين لا أكثر، الأهمّ أن يحتفِظ المدرّب بقدر كبير من الهدوء ويُحاذِر السقوط في فخِّ الغَضَب والتهوّر والمُبارزة اللفظيّة التي لن تكون بصالحه البتة.

Image
المدرب الرياضي في مواجهة الاعلام (Getty)
Opinion article
On
Source
Show in tags
Off

Tags

Caption
طبيعة عمل المدرب تتطلب معرفة بضوابط التعامل مع وسائل الإعلام (Getty)
Show Video
Off