انتهت مجريات كأس العالم بقطر ، بكل إنجازاتها الكبيرة، ونجاحاتها المبهرة، محدثة خارطة عالم جديدة، كرويًا، وسياسيًا، وإنسانيًا، واجتماعيًا، فكانت قطر بردًا وسلامًا على العرب، معززة مكانتهم أفقيًا وعموديًا، ومعها اهتز المغرب من أدناه إلى أقصاه فرحًا وطربًا بالإنجاز الهائل وغير المسبوق، للنتائج المبهرة التي حققها الأسود الأطلسية في مونديال قطر.
لكن بعد نهاية هذا العرس الكروي العالمي، استفاقت الجماهير المغربية على واقع مر لنواديها، وبدأ الكلام عن الديون، وإضرابات اللاعبين والمستخدمين، وصيحات الجماهير التي سئمت هذه المشاهد الدرامية بسبب هذه الأزمات، في ظل ما حققته الكرة المغربية من إبهار بفضل إنجازات أسودها، وكأن شجرة المنتخب أخفت غابة المشاكل المتوحشة التي تعيشها جل الأندية المغربية، بالرغم من كل مجهودات الاتحاد المغربي والجهات المختصة.
موسم كروي ملتهب بالمطالب المالية، وشاق جدًا على بعض الأندية التي هي في الأصل تسير ببركة الاستجداء من هذا أو ذاك من الشخصيات الداعمة، وتقضي المواسم الكروية لاهثة وراء المؤسسات والمجموعات الصناعية، دون خطط وبرامج واتفاقات، لضعف إدارات تلك الأندية في إقامة جسور من المصالح المتبادلة بين أنديتها والمجموعات أو رجال المال والأعمال الداعمين للقطاع الرياضي في بلادنا.
ولا يعني الصمت الإداري بالضرورة أن أنديتنا بخير من الناحية المالية، كما لا يعقل أن نؤكد امتلاكها الأموال الكافية للتعامل المناسب مع متطلبات تحرير عقود للاعبين المحترفين، وكوادرها وموظفيها، لا نستطيع أن نجزم بقدرة جميع الأندية على ذلك بمفردها ومن خزانتها الخاصة، لأنها محدودة الدخل، ولديها مخصصات محدودة من النقل التلفزي، لا تفي بمصروفات تنقلات وسفريات الفريق الكروي خلال أدائه مباريات بطولة الدوري، فما بالك بعقود تصل إلى الملايين!
بالله عليكم، رئيس نادٍ في قسم النخبة الاحترافي يمنح 50 دولارًا كمسبق للأجر الشهري للاعبين، بعدما كانوا ينتظرون مستحقات 7 أشهر، فكيف نطالب من اللاعب الجهد المضاعف، والبذل والعطاء، وهو يقاسي ويعاني الفقر المادي والمعنوي والنفسي، وله من الإكراهات العائلية ما يجعل نفسيته مهزوزة ومكلومة، وقد سئِم الوعود والكلام المعسول، والكذب المنمق، في حين أنه لا يجد قوت يومه.
لست مع وجهات نظر تروج لمجهول قادم للكرة المغربية من خلال دوريها، سيقول بعضهم إن المنتخبات في كل فئاتها العمرية حققت نتائج باهرة، إنها الحقيقة، لأن الاتحاد المغربي يسهر بجدية وصرامة في إطار مهامه على إنجاح إستراتيجيته وسياسته بخصوص المنتخبات، وهنا سيجيبني بعضهم وبسرعة، ويقول: لم كل هذا الكلام، والوداد فاز بكأس أفريقيا للأندية البطلة، ونهضة بركان بكأس الكونفيدرالية الأفريقية، و، و، و، و... سأرد بسرعة بما يجهله الكثيرون، بقولي إن الوداد البيضاوي ديونه فاقت كل التصورات، والرجاء أيضًا، فملفات الناديين ومشاكلهما مع اللاعبين والمدربين لا تُعد ولا تُحصى، ومطروحة على طاولة الاتحاد المغربي، ولدى لجان الفيفا المختصة، فدورينا في خطر ومراكز التكوين لدى بعض الأندية تحولت إلى أطلال بعدما أنجبت لاعبين كبار، باستثناء ثلاثة أندية معدودة على رؤوس الأصابع تعيش وضعية مستقرة، في ظل إدارات محترفة، بينما تظل الأندية الأخرى لا تقوى الخروج من قوقعة الأزمات المالية، بل إنها أفلست، وتتكتم!
فهناك فرق أدرجت ضمن اللائحة السوداء للفرق الممنوعة من الانتدابات خلال الميركاتو الشتوي، الذي سنستقبله قريبًا؛ نظرًا لتراكم الدعاوى وعدم الالتزام بتنفيذ الأحكام ضدها، مما سيمنع جل الفرق من تسجيل اللاعبين، الذين جرى انتدابهم، والأدهى من هذا، أن هناك مشكلة تخص مستحقات الإداريين والمستخدمين كذلك، ومن شأن ذلك أن يرخي بظلاله على مسيرة الفرق فيما تبقى من أطوار البطولة، خاصة أن المكاتب المسيرة فشلت في حل مشكلة الأزمة المالية التي تعيشها الفرق، على الرغم من تدخلات السلطات المحلية في المجال الترابي الذي تنتمي له هذه الأندية.
وهكذا، وبعد تجربة استمرت لسنوات، ضل مسارنا الاحترافي الكروي الطريق، ولم يُضف له جديد يوصلنا إلى الاحتراف الحقيقي بواجبات والتزامات اللاعبين المحترفين والإداريين الهواة، البعيدين عن منظومة العمل الاحترافي الملزم لكلا الطرفين.
ولأننا لم نطبق بنود الاحتراف الحقيقي، وفي ظل إدارة هاوية، وغير مؤهلة لتسيير الأندية ضلت أنديتنا الطريق.
لم يعد هناك مكان للصمت عند الكثيرين من الغيورين الرياضيين المخلصين الذين تأكدوا بعد سنوات من تطبيق نظام الاحتراف المنقوص، محليًا، والذي أدى لنتائج متواضعة على الكرة بالنسبة للأندية، وهي الأساس لأي تطور مستقبلي، وهذه الفكرة يجب أن يأخذها المسؤولون في الاعتبار.
لا نريد فتح ملف الاحتراف لأنه طويل وعميق، لكن نتائجه المتواضعة انعكست على وضع الأندية التي أصبح حالها يرثى له، إداريًا وماليًا ورياضيًا، بسبب الصعوبات الجمة التي واجهتها وما زالت، في خضم هذا الواقع الصعب والقاسي للنجاة من براثن ما يفرضه الاحتراف من ديون ومتطلبات مالية لا تنتهي، واستقرار إداري أصبح مفقودًا عند معظم الأندية.
فمفتاح رؤية أي تقدم رياضي ممكن في المغرب يكمن بالتغيير والتخطيط والتنفيذ الفعلي على أرض الواقع، والذهاب باتجاه تقوية الأندية إداريًا وماليًا، لأن هذا هو الأساس الذي يُبنى عليه أي تقدم أو تطور رياضي محتمل، فالأندية هي أساس الرياضة، وهي مصنع المواهب والنجوم في الألعاب كافة.
الأندية تعاني الأمرين جراء الديون السنوية التي تتراكم بعد نهاية كل موسم، جراء التزامات العقود وما تبعها من وضع مالي صعب، وغياب الأفق في التخطيط السليم للمستقبل أو حتى للموسم الحالي، إضافة للصعوبات الإدارية الواضحة، فمعظم أندية المحترفين انتهت مدة هيئاتها الإدارية، وتجد صعوبات كبيرة في إيجاد أشخاص لاستلامها، وبالتالي تحمل كل هذه الأعباء المالية والإدارية، إضافة للرياضية والجماهيرية أيضًا، فأصبح الوضع صعبًا، وبحاجة لتغيير حقيقي، وذلك يبدأ من الأندية نفسها، بحيث تكون شريكة في تصويب المسيرة الرياضية، فسرطان الكرة المغربية الآن هو "الديون والقضايا"، وهي تأتي من عدم الوعي الإداري و"اللاعبين ورواتبهم" والبذخ، الذي يتم كل عام تحت مسمى "صفقات المحترفين".
الاتحاد المغربي عليه مسؤوليات في تصحيح الأمور الإدارية للأندية وتقويتها وإصلاح ما هو حاصل حاليًا، حيث تعاني الأندية الأمرين لإيجاد أشخاص لقيادتها، ويصل الأمر أن تمر أشهر عديدة على بعض الأندية دون وجود إدارات فاعلة؛ فأنديتنا أصبحت بعيدة كل البعد عن كونها مؤسسات منظمة إداريًا وماليًا ورياضيًا، بل أصبحت تزحف لتستطيع النجاة في كل موسم بأعجوبة، وهذا ما تراهن عليه أغلب الأندية.
* وحتى لا ننسى.. لن يبلغ البنيان تمامه * إذا كنت تبني وغيرك يهدم.
لكن يبدو أن الاتحاد المغربي لن يتراجع في مسيرته، وسيضرب بقوة على كل من سولت له نفسه العبث بما تم بناؤه.. (فقط من يحب الكيان يكون في الأزمات قبل المسرات، وليس أول من يقفز من السفينة وقت العواصف).