يعد دخول سوق البورصة نافذة استثمارية تدر أموالا طائلة على الشركات الباحثة عن رفع سقف رأس مالها، وهو ما جعل الأندية الأوروبية تدخل أسواق البورصة العالمية عبر طرح أسهمها فى اكتتاب عام وفقا لأحكام قانون سوق رأس المال، وحولت كثرة العقود والاستثمارات كرة القدم إلى سوق مالية واسعة تتجاوز حدود الجغرافيا باعتبار أن المال صار حاليا المتحكم الرئيسي في الرياضة بصفة عامة، ما دفع المستثمرين إلى ولوج سوق الأسهم والبورصات لضمان تدفق الأموال بانسيابية كبيرة.
صارت كرة القدم تجارة مربحة وملاذا آمنا للباحثين عن زيادة استثماراتهم وأصبحت الرياضة من بين الصناعات الأكثر تنافسية في العالم، وهو ما جعل العديد من أندية أوروبا تكون ثقافة استثمارية قائمة على سوق الأسهم على غرار نادي يوفنتوس الإيطالي ومانشستر يونايتد الإنجليزي وبوروسيا دورتموند الألماني، وهي أندية لها تاريخ طويل مع عالم البورصة وسوق الأسهم، وأمام هذه الثقافة الغربية المتجذرة تغيب الأندية العربية عن أسواق البورصة وتخشى خوض هذه المغامرة مفضلة الانغماس والتقوقع في عالم تشوبه السرية وغياب الشفافية المالية، ومواصلة التسيير بطرق كلاسيكية تآكلت في ظل تحول كرة القدم إلى صناعة عالمية تخضع لمنطق العرض والطلب.
مصادر التمويل خط أحمر
تحاول العديد من الدول العربية والجهات الرسمية فتح الأبواب أمام الأندية من أجل دخول سوق البورصة وإدراج الأسهم بهدف تخفيز الاقتصاد وخلق مصادر تمويل جديدة تنعش قطار الرياضة في العالم العربي، لكن جل الأندية العربية تفضل الركود وعدم المجازفة بخوض هذه التجربة وذلك يعود لأسباب عدة، أبرزها غياب الثقافة الاستثمارية للأندية العربية بالرغم من قيمتها السوقية العالية، وكذلك خوفا من انكشاف مصادر التمويل وهو خط أحمر لأغلب الفرق التي تفتقد للشفافية المالية، وهما سببان يجعلان من المغامرة بدخول سوق الأسهم عملية انتحارية.
وأكد الصحفي بجريدة "لوسيل" الاقتصادية والمتخصص في أسواق البورصة محمد السقا في تصريحات لموقع "winwin" أن الأندية العربية لا ترغب في الكشف عن بياناتها المالية بشكل كامل لأن عملية الإدراج في البورصة تحتم على الأندية أن تكون لديها بيانات مالية دقيقة لمدة لا تقل عن 3 سنوات ليتم عرضها على المساهمين، لتكون الرؤية واضحة بشأن عملية التدفقات المالية، حتى يتمكن المساهمون من الموافقة على عملية الإدراج في البورصة.
وقال السقا" إن الأندية لا تدرج في البورصة لغياب ثقافة الاستثمار وإن الإدارات المالية لأغلب الأندية العربية لا تتمتع بالاحترافية الكبيرة التي تمكنها من التفكير لأن ثقافة التسيير تقتصر إلا على عملية توفير الإيرادات المالية ودفع رواتب اللاعبين، واستقدام لاعبين جدد في سوقي الانتقالات، كما أن عملية الإدراج في البورصة تستوجب وجود إدارة للعلاقات مع المستثمرين، وعملية مراجعة مالية منتظمة عبر مكاتب للتدقيق المالي بشكل منتظم ربعي، وكذلك النادي ملزم بالإعلان عن أرباحه المالية بشكل ربعي حتى يكسب ثقة المساهمين".
Juventus announces that it has placed a bond on the Dublin Stock Exchange of €175m. Financial transaction was successful enough to have collected orders for €250m.
— Juventus.co.uk (@JuventusfcUK) February 13, 2019
OFFICIAL PRESS Release pic.twitter.com/5QXLd0KAp3
الخوف من المجهول
تفتقد الأندية العربية إلى المقومات الرئيسية التي تعد أساسيات لا بد من توفيرها من أجل دخول أسواق البورصة، مثل التدقيق المالي والشفافية ووكشف مصادر التمويل، كما تخشى الأندية من الذهاب إلى المجهول والمقارة المالية خوفا من التقلبات التي يشهدها سوق البورصة، الذي يتأثر مباشرة بنتائج اللاعب والقيمة السوقية للاعبين والنجاح في كسب الألقاب من عدمه، وهي عوامل تجعل المسؤولين عن الأندية يخشون طرح أسهم البورصة.
وقال السقا إن الأندية العربية تفتقر إلى الرؤية المستقبلية بشأن أرباح الفريق في الفترات القادمة، وهو ما يفسر ضعف الثقافة المالية للعاملين في قطاع كرة القدم. وبالرغم من محاولة بعض البورصات تحفيز الأندية على عملية الإدراج إلا أن ذلك باء بالفشل وعلى سبيل المثال لا الحصر قامت بورصة مصر بطلب الأندية من أجل الدخول للبورصة وتم تغيير القوانين الرياضية بما يتماشى مع شروط البورصة إلا أن ذلك لم يتم بالطريقة المثلى، فنادي الأهلي المصري الذي يعد من أغنى الفرق العربية وبلغت القيمة السوقية للاعبيه بحسب موقع " ترنسفار ماركت" ما يقارب 23 مليون يورو، يملك العديد من النجوم الدوليين، لكنه لم يقدم على عملية إدراج أسهم بالبروصة خوفا من خسارة الأموال. ولم يبادر فريق الترجي الرياضى التونسي بالدخول والاستثمار في سوق البورصة بالرغم من كونه الفريق الأأغلى في تونس وصاحب العدد الأكبر من الألقاب كما يتمتع باستقرار مالي كبير منذ سنوات عدة.
كما أحجمت الأندية الرياضية عن الدخول في البورصة البحرينية بالرغم من الدعوات المتكررة من الهياكل المختصة من أجل تحفيز الأندية، وتترجم عملية العزوف عن دخول سوق الأسهم التخوف الكبير من الأندية التي تخشى المغامرة، على عكس الأندية الأوروبية التي تدفع بثقلها المالي من أجل توفير إيرادات إضافية لتخفيف العبء المالي من أجور وصفقات وتنقلات وغيرها من المصاريف الخاصة بالنادي، كما يحرم عدم دخول الأندية في البورصة الجماهير العربية من عملية شراء الأسهم ودعم النادي وهو ما يفسر حالة عدم الثقة بين الأندية وجماهيرها.
وتتأثر أسهم الفرق في البورصة بالقيمة السوقية للنادي واللاعبين، وكذلك سوق الانتقالات ونتائج الأندية الرياضة عامة، لذلك يجب أن يضع الفريق استراتيجية واضحة وشفافة من أجل ضمان الربح المالي، وعلى سبيل المثال ارتفعت أسهم نادي يوفنتوس في البورصة بعد التفاق على تخفيض رواتب اللاعبين. وارتفعت أسهم النادي الأكثر تتويجا في إيطاليا بنسبة 11.7 % في بورصة ميلانو في سوق تعرف هبوطا قويا أيضا بسبب الأزمة الصحية التي يسببها فيروس كورونا المستجد. وكان يوفنتوس أحد الأندية الأولى التي عقدت صفقة مع لاعبيها، بينهم النجم الدولي البرتغالي كريستيانو رونالدو، لخفض رواتبهم.